أمام الحكومة اللبنانية فرصة فريدة لاستعادة الثقة في النظام النقدي والمالي تبدأ بملء الشواغر في الهيئات الناظمة الماليّة وفقا لمنطق الجدارة، لا المحاصصة

١٧ آذار ٢٠٢٠   |   الاقتصاد والمالية العامة   |   أزمة لبنان   |   ورقة الموقف
على الحكومة اللبنانية أن تبادر في الأيام القليلة القادمة إلى ملء ١٤ منصبا قياديّا شاغرا في الهيئات والإدارات التي يرتبط دورها بسلامة وحسن حوكمة المنظومة النقدية والمالية في البلاد. ولا شك في أنّ هذه التعيينات بالغة الأهمية في خضم الأزمة التي تتخبط فيها البلاد والتي تتطلب اتخاذ قرارات اصلاحية دقيقة للسياسة النقديّة تترافق مع إعادة هيكلة شاملة للقطاع المصرفي الذي أصبح متعثراً من حيث السيولة والملاءة على حد سواء. كما أنها تتطلب توافر خبرات وقدرات مميزة لإدارة مفاوضات مصيرية مع المؤسسات المالية الدوليّة والجهات الدائنة لإعادة هيكلة الدين.

تعتبر "كلنا إرادة" أنّ الفرصة متاحة أمام الحكومة لتبرهن عن استقلاليتها الفعلية عن الطبقة السياسية الحاكمة من خلال ملء هذه الشواغر بالطريقة التنافسيّة الشفافة المبنيّة على منطق الجدارة وليس المحاصصة، مما يعزز ثقة المواطن اللبناني والمجتمع الدولي في قدرتها على اتخاذ الإجراءات اللازمة لإصلاح النموذج الاقتصادي والمالي اللّبناني بالطريقة الفُضلى. 

فمن واجب الحكومة ومن باب التزامها المعنوي في زمن أزمات كبرى غير مسبوقة، أن تضمن تعيين أفراد يتمتعون بحسّ استثنائي للمسؤولية وقدرات كبرى في القيادة والأداء، لهم من الكفاءة والنزاهة والخبرات الواسعة ما يجعلهم قدوة ومثال.

من واجب الحكومة ومن باب التزامها أن يجري هذا التعيين وفقاً لآليات واضحة وشفافة قائمة على أساس الجدارة والاستحقاق وعلى الاستقلالية عن التدخلات السياسية والمصرفية. 
فاستعادة الثقة والمصداقية في نظامنا المالي والمصرفي اليوم تتطلب قياديين استثنائيين وحوكمة رشيدة لهذا القطاع.

المطلوب من الحكومة تعيين القياديين في المناصب التالية: 

  •  أربعة نواب لحاكم مصرف لبنان: يضطلع نواب الحاكم بدور رئيسي في صياغة السياسات النقدية والائتمانية والمصرفية وإدارة الاحتياطي بالعملات الأجنبية في البلاد، وذلك للحفاظ على استقرار الأسعار وسلامة النظام المصرفي والمالي. وهم مسؤولون أيضا عن إدارة وظائف مختلفة داخل المصرف. وقد انتهت مدة ولاية نواب الحاكم الأربعة الحاليين في آذار ٢٠١٩ من دون أن يتم تعيين نواب جدد مكانهم، مما وضع البلاد في فراغ غير قانوني لمدة عام تقريباً حتى الآن. 
  •  خمسة أعضاء في هيئة الرقابة على المصارف: إن الهيئة هي مؤسسة رقابية مستقلة تشرف على المصارف وعلى المؤسسات المالية ومؤسسات الصرافة. وهي تلعب دوراً حاسماً في ضمان الامتثال للقوانين والأنظمة، وتقييم سلامة المؤسسات المالية، وفرض تدابير تصحيحية عند الضرورة. ومن المقرر أن تنتهي مدة عضوية الأعضاء الخمسة الحاليين بنهاية آذار.  
  •  ثلاثة أعضاء في المجلس التنفيذي لهيئة الأسواق المالية: إنّ هيئة الأسواق المالية هي هيئة ناظمة مستقلة تشرف على أنشطة الأسواق المالية اللبنانية وتنظيمها ومراقبتها. ومن المقرر أن تنتهي فترة عضوية الأعضاء الثلاثة الحاليين في مجلس الإدارة قريباً، ولا بد من تعيين بديل لهم.
  •  مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان: وفقا للمواد 42-45 من قانون النقد والتسليف، إنّ المفوض الحكومي مسؤول عن التنفيذ السليم لهذا القانون وعن الإشراف على حسابات مصرف لبنان وضمان التقيد بالقرارات التنظيمية. وقد انتهت مدة ولاية المفوض الحكومي في مصرف لبنان ولم يتم تعيين بديل له بعد. 
  •  مدير عام وزارة الاقتصاد: إن المدير العام هو عضو في المجلس المركزي لمصرف لبنان الذي يضع السياسات النقدية والائتمانية الرئيسية للبلاد. ومع تقاعد المدير العام الحالي في نيسان، لا بد من تعيين بديل في القريب العاجل وفقا لآليات التعيين التنافسية للموظفين الحكوميين من الدرجة الأولى والتي اقترحها وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية سابقا ولم يتم إقرارها بعد بموجب قانون. 
 
أمام الحكومة اللبنانية فرصة فريدة لإحداث تحوّل فعلي في حوكمة النظام النقدي والمالي من خلال ملء هذه الشواغر بطريقة تنافسيّة شفافة ومحصّنة من كافة التدخلات، تمهّد لإجراء اصلاحات حقيقيّة في القطاع المالي والمصرفي وتساهم في انقاذ البلاد ووضعها على مسار التعافي.

إن "كلنا إرادة":
  1. تدين محاولات التدخل في هذه التعيينات التي لا بدّ أن تجري بمعزل عن أي تدخلات سياسية أو طائفية لا مبرر لها، وبعيداً عن أي تضارب للمصالح أو تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة من القطاع المصرفي، وتعتبر حصولها انتهاكا فاضحا وإصرارا مُدانا على الحفاظ على وضع راهن لم يعد مقبولاً، ويسبب تآكلاً أكيدا لمصداقية السلطات النقدية الناظمة للقطاع.
  2. تحذر من تمديد ولاية أي من الموظفين المنتهية ولايتهم، وتعتبره عاملا حاسما في تقويض مصداقية السلطات النقدية والرقابية في لبنان.
  3. تحث الحكومة اللبنانية على عدم تفويت الفرصة التي تتيحها هذه الشواغر لتعيين فريق من القياديين الساعين إلى التغيير من ذوي المهارات العالية والخبرة المحلية والدولية الواسعة في سياسات القطاع المالي والاقتصاد الكلي، وتناشدها منحهم الدعم الكامل للقيام بالورشة الاصلاحيّة المطلوبة وضمان اتخاذ القرارات التنظيمية وتنفيذها فوراً. 
  4. تعيد التأكيد على أن التعيينات في جميع هذه المناصب الـ 14 يجب أن تتم من خلال عملية تنافسيّة شفافة تسمح بتقديم الطلبات لكلّ اللبنانيين المستوفين الشروط القانونيّة وتقييمها وفق آلية قائمة على الجدارة تستند إلى إطار الكفاءات لكل وظيفة، وإلى معايير اختيار يتم نشرها علنا كما وإلى عملية تحقق من المراجع المذكورة. وعلى كافة الأفراد الذين يتم اختيارهم أن يصرحوا فيما بعد عن أموالهم وفقا للقوانين المرعيّة وأن يقدموا بيانات ضريبية قابلة للتدقيق. 

تعتبر كلنا إرادة هذه التعيينات خطوة أولى في المسار الاصلاحي. 
وهي لذلك تشدد على ما يلي:

  1. ضرورة عتماد إصلاحات تنظيمية وقانونية لإدارة نظام الرقابة على القطاع النقدي والمالي في لبنان وبطريقة تسمح بتحقيق استقلالية تامة لمختلف الهيئات الناظمة، حيث أن لها أدوار مختلفة أو حتى متناقضة في بعض الأحيان.
  2.  وضع نظام صارم للضوابط الذاتية داخل كل هيئة من خلال حوكمة سليمة وآليات عادلة وشفافة لاتخاذ القرارات ترتكز على دراسات علمية وتلتزم مبدأ التشاور والمذاكرة. كذلك يجب حماية الهيئات الناظمة من التأثيرات السياسية و/أو أي ضغوطات صادرة عن القطاع المصرفي حيث أنها مكلفة بتنظيمه والإشراف عليه. على أن يسمح الإصلاح أيضاً بمساءلة أعضاء السلطات الناظمة في حال فشلوا في أداء وظائفهم وواجباتهم.

أزمة لبنان

في حين يواجه لبنان اسوأ أزمة اقتصادية ونقدية ومالية ومصرفية واجتماعية، تسعى منظمة "كلنا إرادة" إلى تعزيز التطور السريع لخطة إنقاذ على أساس مبادئ العدالة الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية.

إنضم إلى قائمتنا البريدية