حان الوقت لمراجعة قطاع النفط والغاز في لبنان بالاستناد إلى استراتيجية معينة

٣٠ تشرين الأول ٢٠٢٠

بدأت في 14 أكتوبر / تشرين الأول الجولة الأولى من المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية المتنازع عليها بين إسرائيل ولبنان. ودارت الجلسة التي استمرت ساعة واحدة في قاعدة للأمم المتحدة في الناقورة، بالقرب من الحدود الإسرائيلية، وذلك بوساطة الولايات المتحدة وحضور وفد وطني من كلي الطرفين، فضلا عن المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيش.


بدأت المحادثات بعد أن كان قد تم التوصل إلى اتفاق إطار بين الطرفين يحدد الشروط العامة للمناقشات. وقد تم الاتفاق قبل المحادثات على مسائل متعلقة بالمكان وتفاصيل جدول الأعمال، في حين أن المشكلة الأساسية التي يتعين حلها هي منطقة في البحر الأبيض المتوسط يبلغ حجمها حوالى 860 كيلومترًا مربعًا. 


أما جدول الأعمال فيتألف من أربع مراحل تشمل على سبيل المثال لا الحصر ترسيم الحدود البحرية. وتكمن المرحلة الأولى في تحديد نقطة مرجعية برية يتم الانطلاق منها نحو البحر. المرحلة الثانية تهدف إلى تحديد الحدود البحرية الجنوبية حيث تقع المنطقة المتنازع عليها. والمرحلة الثالثة هي وضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية ترسيم الحدود البرية بعد الانتهاء من ترسيم الحدود البحرية، فيما تهدف المرحلة الرابعة إلى تبادل الوثائق النهائية. 


على الرغم من أن الحدث وُضع في خانة الخطوات التاريخية، إلا أن هذه ليست المرة الأولى التي تتم فيها محادثات بين البلدين، فقد أجريت محادثات منتظمة بين الجانبين تتعلق بالأمن، وهي مبادرات تفاوضية بشأن الحدود شملت مجموعة مراقبة الحدود لعام 1996 أو اللجنة الثلاثية تحت قيادة الأمم المتحدة.


وقد أدت الإدارة الأمريكية دورًا مركزيًا في قيادة هذه الجهود. يقول شربل أ. سكاف، المحاضر في جامعة القديس يوسف ومؤلف كتاب يستعرض المخاطر الرئيسة المحدقة بقطاع الغاز اللبناني ( ("Le Gaz au Liban: Souveraineté et Enjeux": "يعود الخلاف الحدودي بين إسرائيل ولبنان إلى عام 2011، وقد تعاقب منذ ذلك الوقت وسطاء أمريكيون لمحاولة إحداث خرق في المفاوضات: فريدريك هوف، وآموس هوشستين، وديفيد ساترفيلد، وحاليًا ديفيد شينكر". 


وعلى الرغم من قيادة الإدارة الأمريكية للمحاولات الأخيرة للتوصل إلى اتفاق إطاري كأساس للتفاوض حول الحدود المتنازع عليها، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل، ويعود ذلك بصورة رئيسة إلى فشل الأطراف في التوصل إلى اتفاق حول الشكل (مكان المفاوضات، ومن سيقود المحادثات وما إلى ذلك)، أو حول المضمون (المبادئ المشتركة للمفاوضات). من هذا المنطلق، فإن المناقشات الحالية هي أنجح المحاولات الرامية إلى حل النزاع، وللمرة الأولى يتفق كل من الطرفين على التفاوض على حدود بحرية دائمة وربطها في الوقت نفسه بنقطة مرجعية برية.


أما توقيت المفاوضات فهناك عوامل داخلية وإقليمية تبرره، لأن أزمة كوفيد -19 قد أثقلت كاهل البلدين بما أثارته من تداعيات سلبية على الاقتصادات الوطنية وسط تزايد الاستياء العام والاحتجاجات المنتظمة في البلدين، ما دفع الحكومات الوطنية إلى السعي للحصول على نوع من المفخرة السياسية من خلال الموارد الوطنية التي تم العثور عليها مؤخرًا.


وعلى الرغم من أن الأزمة العالمية أثرت بشدة على الأسعار، اكتسب قطاع النفط والغاز أهمية جديدة كوسيلة للخروج من الأزمة الاقتصادية. في لبنان، تبددت الآمال المعلقة على قطاع الغاز البحري في نيسان / أبريل 2020 عندما تبين أن البئر الاستكشافية الأولى كانت جافة. إلا أن الأزمة المالية والنقدية الحادة التي تعصف بالبلاد جعلت المفاوضات مسألة ملحة للسياسيين الذين يربطون عملية التوصل إلى اتفاق بإمكانية تحرير الإيرادات المحتملة.


إسرائيل أكثر تقدمًا من ناحية استغلال حقول النفط والغاز، فقد بدأت منصة ليفياثان إنتاجها الرسمي في أواخر عام 2019. ومع ذلك، يسعى البلد إلى طمأنة الشركات المعنية التي غالبًا ما تتأنى ريثما تحصل على طمأنة أمنية إزاء التهديدات العسكرية الخارجية، بما فيها حزب الله.


بعيدًا عن السياقات الاقتصادية والسياسية، إن توقيت إعلان أكتوبر / تشرين الأول، بحسب سكاف، "هو توقيت بعيد كل البعد عن البراءة ولا يمكن قراءته بمعزل عن البيئة الجيوسياسية الأوسع". فقد أعلنت البحرين والإمارات العربية المتحدة والسودان مؤخرًا عزمها على تطبيع العلاقات مع تل أبيب. وفي حين أن الإدارة الأمريكية متفائلة بأن المزيد من الدول ستحذو حذوها، تعمل هذه الإدارة بنشاط على تسهيل الاتصالات بين إسرائيل والعديد من الدول العربية. 


ويخلص شربل سكاف إلى أن "العامل الرئيس الذي ساعد في هذه المفاوضات هو وجود قرار سياسي على المستوى الإقليمي".


لكن الحالة اللبنانية تبدو مختلفة وسط إصرار من الطرفين على عدم ارتباط الخطوة بالتطبيع. وبينما أشار مسؤولون إسرائيليون إلى إمكانية إجراء مفاوضات مباشرة في المستقبل، نفى نظراء لبنانيون هكذا تصريحات وأصروا على الجوانب المحض فنية لهذه الخطوة. وقد أيد ذلك أيضًا المبعوث الأمريكي ديفيد شينكر الذي أكد أن المحادثات "ليس لها علاقة بإقامة علاقات دبلوماسية أو تطبيع العلاقات".


في ظل اتفاق الأطراف على الجوانب الفنية للمفاوضات، قد تعرقل الادعاءات المختلفة بشأن المنطقة المتنازع عليها تقدم العملية وتقوّض نتيجة المحادثات. لبنان، الذي يستند موقفه إلى اتفاقية مونتيغو باي لسنة (1982)، يصر على بسط سيادته الكاملة على المنطقة. في عام 2012، رفضت الحكومة اللبنانية اقتراحًا أمريكيًا يقضي بمنح لبنان 550 كيلومترًا مربعًا من المنطقة المتنازع عليها بمقابل منح إسرائيل ثلث المساحة المتبقية. وتشير إسرائيل من جانبها، وهي ليست طرفًا في الاتفاقية، إلى اتفاق تم توقيعه بين قبرص ولبنان في عام 2007 من دون أن يصادق عليه الأخير. وبالنظر إلى مواقف الجانبين، قد يكون من الصعب التوصل إلى حل وسط بشأن النسبة التي سيتم تقاسمها في منطقة الـ 860 كيلومترًا مربعًا المتنازع عليها، علمًا أن هذه مسألة حاسمة باستطاعتها التأثير على نجاح محادثات الناقورة.


كجزء من استراتيجية جديدة تستند إلى خط ترسيم الحدود لعام 1923 بين الانتداب الفرنسي على لبنان والانتداب البريطاني على فلسطين، من المتوقع أن يدفع لبنان باتجاه ضم نحو 1430 كيلومترًا مربعًا إضافيًا إلى أراضيه. قد تتفاقم الصعوبات في التوصل إلى اتفاق بسبب هذه المطالبات الجديدة التي ستشمل حقلي غاز متنازع عليهما، يعرفان باسم بلوك 72 (Alon D) وكاريش. في عام 2019، أعلنت شركة النفط والغاز اليونانية Energean عن حدوث "اكتشافات مهمة" في بئر التنقيب في شمال كاريش. وفي أواخر شهر يونيو / حزيران، أعلنت الحكومة الإسرائيلية بدء حفر بلوك 72 (Alon D) الإسرائيلي، المتاخم للبلوك 9 في لبنان، وهي خطوة سارع الرئيس ميشال عون إلى إدانتها باعتبارها "خطوة خطيرة".


نشرة "كلنا إرادة" و"لوغي" الإخبارية للنفط والغاز في لبنان لشهر تشرين الاول ٢٠٢٠ متوفرة عبر هذا الرابط

الإطار القانوني والتنظيمي

تعمل "كلنا إرادة" بالتعاون مع "لوغي" لتحقيق الحوكمة الرشيدة والشفافية على جميع المستويات في قطاع النفط والغاز وخاصة في الإطار القانوني والتنظيمي لتفادي إستدامة الفساد واستيلاء النخبة على الموارد.

إنضم إلى قائمتنا البريدية