تدابير مصرف لبنان الأخيرة... خطط مجتزأة وتداعياتٌ كارثية

١٠ حزيران ٢٠٢١

يؤسفنا في "كلنا إرادة" أن تواصل السلطة الحاكمة نهج التقاعس المتعمّد في مواجهة أسوأ أزمة مالية واقتصادية في تاريخ لبنان المعاصر، في حين يتفرّد مصرف لبنان منذ أشهرٍ عديدة وتحت غطاءٍ سياسي، بقرار توزيع الخسائر، من دون أيّ خطة إنقاذية شاملة ومدروسة ومن دون أيّ قوانين ديمقراطية عادلة وشفافة، تاركًا الأكثرية الساحقة من الناس تدفع الأثمان الباهظة، في حين يتهرّب المسؤولون والمعنيّون والمستفيدون، سواء مصرف لبنان أو المصارف أو أصحاب النفوذ السياسي والمالي من تحمّل مسؤولياتهم لناحية تكبّد الجزء المترتب عليهم من الخسائر.  


فصلٌ آخر من الخطّط المجتزأة 

ولعلّ تعميم مصرف لبنان الأخير، رقم 158 الصادر الثلاثاء الفائت والذي يقضي بالافراج عن 400 دولار أميركي شهرياً لكلّ مودع، تُصرف بالدولار الأميركي و400 أخرى بالليرة اللبنانية وفق سعر منصّة "صيرفة"، البالغ اليوم 12000 ل.ل. تُعدّ فصلاً آخراً من الخطط المجتزأة التي تسعى إلى احتواء الوضع ولو لفترة قصيرة وشراء سكوت وولاء جزءٍ من المودعين خصوصًا خلال مرحلة تحاول فيها المنظومة السياسية الحالية إعادة شراء الولاءات والتحضير للانتخابات النيابية المقبلة. 


وهنا ضرورة التنبّه إلى أنّه خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر 2019، وفي حين كانت أصول مصرف لبنان من العملات الأجنبية أعلى بكثير من اليوم، حيث قاربت حينها 31 مليار دولار أميركي، فقد كان من المستحيل تقريبًا على المودعين الوصول إلى حساباتهم بالدولار، فكيف بالأحرى اليوم بعد أن بات الاحتياطي 15 مليار دولار فحسب.


 خطة تزيد من حدّة الانهيار

وعلى ضوء ذلك، فإنّ خطة المركزي في ظلّ غياب أيّ سياسة اقتصادية إصلاحية، ستؤدّي إلى انهيار ما تبقّى من احتياطي مصرف لبنان، وذلك من دون أن تعالج أيّ من المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد، لا بل ستزيد من حدّتها.


والجدير ذكره أن القرار الصادر عن التعميم يمتد على سنة واحدة قابلة للتجديد، على أن يبقى سارياً لغاية تحرير لحد 50,000 دولار لكل مودع، غير أنّ قدرة مصرف لبنان على تلبية الخطة المقترحة بكامل بنودها واستكمالها حتى تسديد مبلغ ال 50,000 دولار كاملاً، أي طوال فترة خمس سنوات، تستدعي الشك والتساؤل، إذ تشير التقديرات إلى أنّ التكلفة الإجمالية للدفعات المقومة بالدولار ستصل إلى نحو 5 مليار دولار أميركي، وهو ما يمثّل اليوم ثلث احتياطي العملات الأجنبية، ما سيرتّب تأثيرات كارثيّة على سعر الصرف. وستؤدي الخطة بالتوازي إلى ارتفاع معدلات التضخم، خصوصًا أنّ مصرف لبنان سيعمد إلى طباعة 128 تريليون ليرة لبنانية، اذا ما استمر بالأجراءات على مدى خمس سنوات. 


بمجرّد انقضاء سنة واحدة فحسب، سترتفع السيولة النقديّة بمقدار27 تريليون ليرة، بما يتجاوز السيولة النقدية التي تمّ ضخّها بين كانون الثاني/يناير 2020 وآذار/مارس 2021. جدير بالتذكير أنّه، منذ إعلان الخطوط العريضة للخطة، تراجعت قيمة الليرة اللبنانية بمعدّل 8٪ في غضون أربعة أيام.


أضف أنّ الدولارات الموجودة في مصرف لبنان اليوم تشكل آخر احتياطي استراتيجي لتلبية احتياجات لبنان، بما في ذلك احتياجاته الغذائية والاستهلاكية الأساسية (الأدوية، القمح، البنزين والمازوت وما إلى ذلك)، وذلك حتى بعد إعادة النظر بسياسة الدعم.


كما أنّه بعد استنفاد الدولار، سنكون مجدّدًا أمام سياسة الأمر الواقع وضرورة بيع الذهب، أيّ خط الدفاع الاقتصادي الأخير، الأمر الذي ستترتّب عنه تداعيات خطيرة على الاقتصاد الوطني.


البديل موجود

ونشدّد كـ"كلنا إرادة" على أنّ البديل موجود، إذ لغاية تاريخه ورغم الخسائر الهائلة بعد 18 شهرًا من الركود والتقاعس، لا يزال المودعون قادرين على استرداد أكثر بكثير ممّا هو مقترح في خطة مصرف لبنان، وذلك في حال تمّ إقرار السياسات اللازمة.


وترتكز هذه السياسات على: إعادة هيكلة الديون، سواء الدين العام أو ديون مصرف لبنان بالعملة الأجنبية، ما يسمح بنهوضٍ اقتصادي شامل ومستدام؛ إعادة هيكلة القطاع المصرفي مع ضرورة ضخّ السيولة وضبط رأس المال (كابيتال كونترول)، وبالتالي استعادة الثقة بقدرة المصارف على تسديد ديونها وتنظيم التوزيع العادل للخسائر.  


مع العِلم أنّ المضي بالسياسات الإصلاحية أعلاه سيساهم بدوره في الحفاظ على مصالح اللبنانيّين الذين لا يملكون حساباتٍ مصرفية، وفي تعزيز فرص النمو والتوظيف، لا سيّما لفئة الشباب الذين لا يمتلكون اليوم سوى الهجرة كبديلٍ لا غنى عنه.


ولأنّ لا ثقة بإرادة أو قدرة هذه المنظومة على الإصلاح ، فلا بدّ من تأليف حكومة مستقلة تتمتّع بصلاحياتٍ تشريعية استثنائية، من أجل معالجة الأزمة.


وإنّنا ندعو المواطنين ألّا ينخدعوا بسياسة الأمر الواقع التي لا تخدم إلا مصالح السلطة القائمة على حساب اللبنانيّين، ونحذّر من أنّ النهج الحالي المعتمد ليس فقط نهجًا غير مقبولٍ، بل نهجًا تدميريًّا بحق اللبنانيّين واللبنانيّات.

تحميل الملف

أزمة لبنان

في حين يواجه لبنان اسوأ أزمة اقتصادية ونقدية ومالية ومصرفية واجتماعية، تسعى منظمة "كلنا إرادة" إلى تعزيز التطور السريع لخطة إنقاذ على أساس مبادئ العدالة الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية

إنضم إلى قائمتنا البريدية