موقف "كلنا إرادة" من الطعن المقدّم إلى المجلس الدستوري:
حق المساواة التامة بين الناخبين المقيمين وغير المقيمين غير قابل للمساومة
ستة أشهر على انتهاء ولاية المجلس النيابي المنتخب في العام 2018، ولا يزال مصير الانتخابات النيابية للعام 2022 عرضة للتجاذب، حيث تلجأ السلطة السياسية في لبنان مجدداً إلى افتعال الالتباسات والإشكاليات القانونية قبل الانتخابات النيابية، الأمر الذي يشكل إمعاناً من قبل أقطاب السلطة السياسية في خرق أبسط قواعد الديمقراطية ومعايير الانتخابات الحرة والنزيهة، وإمعاناً في ازدراء دولة الحق والقانون.
ففي ظل غياب أي إشارة رسمية إلى الموعد المرتقب للانتخابات النيابية، وإلى كيفية مشاركة غير المقيمين في الانتخابات، تعرب "كلنا إرادة" عن بالغ قلقها من المماطلة المستمرة منذ أشهر، والتي تتحمل مسؤوليتها السلطة السياسية، وعن تخوفها من أن تكون العودة إلى المقاعد الستة مقدمة لإطاحة حقِّ الاقتراع في الخارج، في ظل الصعوبات الجدية والتأخير الحاصل في حسم هذه المسألة.
إن الجدل الدائر حالياً هو نتيجة عدم مباشرة النقاش المستفيض لقانون الانتخابات في العام 2017، فلم تأخذ مسألة تنظيم اقتراع المغتربين حقها في النقاش العام المرافق لإقرار قانون الانتخابات 44/2017. فتركز النقاش بشكل رئيسي على مسألة النظام الانتخابي المعتمد على حساب الإصلاحات الأخرى، ومن ضمنها تنظيم اقتراع المغتربين. وعليه، فقد جاء في نص القانون الانتخابي قبل التعديلات الأخيرة على حق اقتراع كل مواطن غير مقيم في انتخابات العام 2018 في الدائرة الانتخابية حسب مكان قيده في لبنان، على أن تتم إضافة 6 مقاعد لتمثيل غير المقيمين في الانتخابات اللاحقة، أي في انتخابات العام 2022، ليرتفع عدد المقاعد إلى 134، على أن تُخفّضَ ستة مقاعد من عدد أعضاء مجلس النواب الـ128 من الطوائف نفسها التي خُصّصت لغير المقيمين، ابتداء من انتخابات العام 2026.
في 19 تشرين الأول 2021، أقر مجلس النواب القانون الرامي إلى تعديل بعض مواد قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب، أبرزها إلغاء المقاعد الستة، والعودة إلى قاعدة اقتراع غير المقيمين في دائرة قيدهم في لبنان. ولكن في 22 تشرين الأول، أعاد رئيس الجمهورية ميشال عون القانون إلى مجلس النواب طالباً إعادة النظر فيه، قبل أن يعود المجلس النيابي ويقرر في جلسته المنعقدة في 26 تشرين الأول التمسك مجدداً بالتعديلات التي سبق له إقرارها.
لقد ارتكب المجلس النيابي في الجلسة العامة التي انعقدت في 26 تشرين الأول 2021 خطأً إجرائياً في طريقة احتساب الغالبية المطلقة، وهو ما يؤكد استمرار التعاطي الاستنسابي مع النصوص الدستورية وتوظيفها حسب مصلحة كل طرف سياسي. فقد جرى التصويت على البند المتعلق بإلغاء المواد المتعلقة بالمقاعد الستة بأغلبية 61 نائباً، الأمر الذي جعل رئيس المجلس يحتسب الغالبية المطلقة من إجمالي 116 نائباً (نظراً لشغور 12 مقعداً بفعل الاستقالة و الوفاة) واعتبارها 59 نائباً، في حين جاء نص المادة 57 واضحاً ومن دون لَبس، لجهة احتساب الغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً، أي 128 نائباً، لتكون الغالبية المطلقة 65 نائباً، الأمر الذي يشكل خرقاً فاضحاً للأصول الإجرائية المنصوص عليها في الدستور.
في المقابل، ترى "كلنا إرادة" أنه لا يمكن حصر النقاش في هذه الإشكالية الإجرائية من دون النظر إلى الأبعاد الأخرى، لاسيما الازدراء اللاحق بحق كتلة وازنة من الناخبين، والتي من شأنها تغيير مجرى النتائج، حيث يجد أكثر من 200 ألف مواطن مغترب أن حقهم الدستوري مهدد على مسافة أسابيع من انتهاء ولاية المجلس النيابي.
فمع إدراكنا أن الطعن المقدم يتعلق حصراً بالنظر في دستورية التعديلات التي أقرها المجلس النابي بعد رد رئيس الجمهورية القانون، ومن دون أن نكون راغبين في استباق قرار المجلس الدستوري، تعبر "كلنا إرادة" عن تخوّفها من قدرة المجلس على الحكم الموضوعي في ظل الضغوط السياسية والحزبية التي مورست على أعضائه في السنوات الأخيرة.
فمن الناحية الدستورية، تؤكد "كلنا إرادة" أن تخصيص المقاعد الستة في مجلس النواب لغير المقيمين، يشكل خرقاً فاضحاً للدستور، وذلك للأسباب التالية:
من الناحية الإجرائية، إن العودة إلى المقاعد الستة ومحاولة وضع آليات تطبيقية لها، يطرح إشكالات جدية لجهة طريقة توزيعها على القارات الستّ، ومخاوف قد تصيب التماسك الاجتماعي للبنانيين في الاغتراب، في ظل غياب أي معيار موضوعي، وغياب الإحصاءات حول توزيع أعداد المغتربين بشكل عام، والمسجلين على نحو الخصوص. فكيف يمكن لمجلس الوزراء وللجنة المشتركة المؤلفة من وزارتي الداخلية والخارجية توزيع المقاعد الستة بين الطوائف والقارات؟ فإذا كان الوضع الطائفي في لبنان هو إشكالية دائمة، فلماذا علينا أن ننقل هذه الاشكالية إلى المغتربين؟
بناء عليه، إن جوهر مسألة اقتراع غير المقيمين اليوم هو سياسي قبل أن يكون دستورياً، وتتحمل مسؤوليته السلطة السياسية بخفتها ورعونتها في التعاطي مع استحقاق دستوري بهذه الأهمية. وما محاولة رمي الكرة في ملعب المجلس الدستوري، إلا إمعان في سياسة إيصال الأزمة إلى ذروتها، قبل أن تجري التسويات السياسية الفوقية، والتي لطالما أتت على حساب حقوق المواطنين والمواطنات.
لذلك، تحمِّل "كلنا إرادة" السلطة السياسية مجتمعة، وبالتضامن في ما بينها، مسؤولية العبث المقصود بحق الناخبين غير المقيمين في المشاركة الكاملة والمتساوية، وتدعو جميع اللبنانيين، من مقيمين وغير مقيمين، إلى حماية الاستحقاق الانتخابي من كافة أشكال التلاعب.