بيان مشترك حول زيارة الوفد القضائي الأوروبي
احترام السيادة القضائية يترجم بملاحقة المتورِّطين ومحاسبتهم
شكَّلت زيارة الوفد القضائي الأوروبي المُرتقبة إلى لبنان تطوّراً لافتاً في مسار التحقيقات في الملف المالي لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة المشتبه فيه بتبييض الأموال وتهريبها، والتي سيستجوب خلالها عدداً من المسؤولين الماليين والمصرفيين والإداريين في مصارف كبرى في لبنان. إنّ دخول القضاء الأوروبي على خطّ التحقيق في الملفات المالية اللبنانية، يعيد إلى الواجهة مسألة ملاحقة ومحاسبة المتورِّطين بالأزمة المالية التي تشهدها البلاد، في ظل التعطيل المُمنهج لمسار التحقيق المحلّي وكلّ الدعاوى العالقة أمام القضاء اللبناني.
على الرغم من أن تحقيقات الوفد سوف تركِّز على عمليّات تبييض الأموال التي مرّت عبر المصارف الأوروبية، ومن دون التطرّق إلى الإدارة المالية والنقدية في السنوات الأخيرة، إلّا أن هذا المسار سيسمح للشعب اللبناني بكشف جزء من الحقيقة، ولا سيّما الجزء المرتبط بالعمليات المالية غير المشروعة التي اعتُمدت لتهريب الأموال إلى الخارج في السنوات الأخيرة وفاقمت الأزمة المالية والاقتصادية.
إنّ تكتّم الجهات القضائية والسياسية عن نشر تفاصيل الاتفاق مع الوفد القضائي وتضارب المعلومات المُسرَّبة إلى الإعلام، يؤكّدان حالة الإرباك التي تواجهها السلطات القضائية والسياسية في التعامل مع هذا الملف. وعلى الرغم من تأجيل زيارة الوفد حتّى يوم الإثنين المُقبل لأسباب لوجستية، إلّا أن التحقيقات المُنتظرة باتت أمراً واقعاً، ويتوجّب على الجميع التعامل معها كمعطى سياسي وقضائي جديد، لا سيما أن مهمّة الوفد سوف تركّز على الملف المالي الخاص بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة من دون اتخاذ أية إجراءات فورية قبل استكمال التحقيقات.
إلى ذلك، يُعدُّ التذرّع بوجوب احترام السيادة القضائية للدولة اللبنانية وحصر الاختصاص بالقضاء اللبناني حقّاً يُراد منه باطل. فمن جهة، تأتي مهمّة الوفد في إطار المعاهدة التي أقرّتها الأمم المتّحدة عام 2003 وانضمّ إليها لبنان عام 2008 وتلزمه بالتعاون في قضايا الفساد وتوفير التسهيلات لكلّ دولة تطلب المساعدة القانونية والقضائية. ومن جهة ثانية، تسقط ذريعة السيادة القضائية في ظلّ التعطيل المُمنهج لكلّ المسارات القضائية بدءاً من التحقيقات في انفجار بيروت، ودعاوى المودعين ضدّ المصارف، وصولاً إلى ملاحقة حاكم مصرف لبنان والمقرّبين منه والمتورّطين في عمليّات نقل الأموال، وذلك من خلال الضغط والتدخّل السياسي ورفض توقيع مرسوم التشكيلات القضائية. عدا أن استمرار حاكم مصرف لبنان في منصبه ليس إلّا تأكيداً على توافق السلطة السياسية على تأمين الغطاء له ليستمر في مهامه ومنع ملاحقته ومحاسبته.
في الواقع، لا يمكن للمسار القضائي الأوروبي أنّ يشكّل بديلاً عن دور القضاء اللبناني في ملاحقة المسؤولين ومحاسبتهم، وعملياً لا تتحقّق سيادة القضاء إلا بتحريره من قيود السياسة وأصحاب النفوذ والمصالح، وتعبيد الطريق أمام ملاحقة كلّ المسؤولين السياسيين والمتورّطين الجنائيين بالانهيار المالي والاقتصادي للبلاد. لذلك، من يمنع سير التحقيقات، ويعرقل المسارات القضائية، ويؤمّن الغطاء السياسي للمتورّطين، هو من ينتهك فعلياً السيادة القضائية للدولة اللبنانية ويعرقل مسار العدالة والمحاسبة.
الموقعون: