منذ أكثر من سنة، دخل لبنان في الشغور الرئاسي الثالث على التوالي في ظل إخفاق المجلس النيابي في الالتزام بموجباته الدستورية. وكان قد سبق ذلك، الفشل في تشكيل حكومة بعد الانتخابات النيابية للعام 2022.
ان الواقع الحالي اليوم هو استمرار لنهج التعطيل وافراغ المؤسسات الدستورية منذ العام 2005. فقد أدت هذه الممارسات الى تكريس الفراغ في السلطة التنفيذية من خلال الشغور الرئاسي وحكومات تصريف الاعمال وكذلك تمديد ولاية المجلس النيابي السابق ما أطاح بولاية تشريعية كاملة وتعذر اجتماعاته بفعل الفراغ الرئاسي او بفعل غياب الحكومات.
في ظل هذه الممارسات، بات المجلس النيابي معطَّلا ومعطِّلا في آن: امتناع عن إتمام الواجبات الدستورية وفعالية محدودة. فاذا كانت إشكالية فعالية عمل البرلمان في لبنان مرتبطة بالدرجة الأولى بإشكالية الممارسة السياسية في السنوات الأخيرة والتي أدت الى ضرب مبدأ الفصل بين السلطات، فقد تحول النظام الداخلي الأخير الصادر في العام 1994 الى أداة بيد رئيس المجلس النيابي تسمح بالإدارة الاستنسابية والتعسفية للمجلس النيابي.
ان فعالية أداء العمل البرلماني مرتبطة بتضمين النظام الداخلي المعايير التالية:
- ضمان المساواة في الحقوق بين جميع أعضاء المجلس.
- ضمان حقوق المعارضة البرلمانية.
- اتباع نظام ثابت في عملية اتخاذ القرار.
- حيادية رئيس المجلس النيابي ورؤساء اللجان البرلمانية في إدارة العمل البرلماني.
- ضمان تطبيق الديمقراطية التشاركية في الإدارة الداخلية لمجلس النواب.
- ضمان الحق في الوصول الى المعلومة لجميع الأعضاء.
وبالنظر الى هذه المعايير، يتبين ان النظام الداخلي لمجلس النواب الحالي تشوبه العديد من الثغرات التي أدت إلى تقويض العمل البرلماني لناحية الخلل في أصول التشريع، ودور الرقابة على عمل السلطة التنفيذية وشفافية إدارة العمل البرلماني.
في الخلاصة، ترتدي مسألة التعديل الشاملة للنظام الداخلي أهمية رئيسية لإعادة بناء الدولة الديمقراطية البرلمانية الحقيقية وتعزيز المؤسساتية والشفافية والتخفيف من تفرد واستنسابية رئيس المجلس في ادارة عمل البرلمان بصفته المؤسسة الدستورية التي تتمثل فيها إرادة المواطنين وتنبثق عنها الشرعية السياسية لأي سلطة.