ثلاثة إقتراحات قوانين لإدارة أصول الدولة وعدٌ خادعٌ للمودعين وخطر سوء إدارة الموارد

٢٤ تموز ٢٠٢٤   |   الاقتصاد والمالية العامة   |   أزمة لبنان   |   ورقة الموقف "صورة "كلنا إرادة

1.  السياق

تتمنّع السلطات اللبنانية عن تنفيذ القوانين النافذة منذ انكشاف الإفلاس المصرفي في تشرين الأول 2019. وفي حين لا تزال النسخة الأخيرة من مشروع قانون إعادة التوازن إلى القطاع المصرفي مُعلّقة بانتظار مناقشتها في مجلس الوزراء، عاد طرح استخدام الأصول العامة لتعويض خسائر المصارف إلى الواجهة مجدّداً، وأُدخِل في صلب قرار اتّخذه مجلس شورى الدولة في 6 شباط 2024 في الدعوى المُقدّمة من جمعية مصارف لبنان ضدّ الدولة اللبنانية. و ينصّ القرار على «إبطال قرار مجلس الوزراء بالموافقة على استراتيجية النهوض بالقطاع المالي في شقّها المتعلّق بإلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف»، وهو بالتالي يلقي المسؤولية على عاتق الدولة للتعويض عن جميع الخسائر التي تكبّدها مصرف لبنان.

وبعدها بأسابيع قليلة، في 5 آذار 2024، تمّ تشكيل لجنة برلمانية خاصّة لدراسة مجموعة من اقتراحات القوانين المُتعلّقة بإدارة الأصول العامة. وقد تمّ تقديم ثلاثة اقتراحات قوانين: الأول هو «اقتراح قانون يرمي إلى حماية الودائع المشروعة وإعادتها إلى أصحابها» قدّمته حركة أمل. والثاني «اقتراح قانون يرمي إلى إنشاء مؤسّسة مستقلّة لإدارة أصول الدولة» قدّمته القوّات اللبنانية. والثالث «اقتراح قانون إنشاء الصندوق الائتماني لحفظ أصول الدولة وإدارتها» قدّمه التيّار الوطني الحرّ. مع الملاحظة أن الاقتراح المقدّم من حركة أمل ليس قيد المناقشة في اللجنة حالياً.

إن فكرة استخدام أصول الدولة لتعويض خسائر القطاع المالي ليست جديدة، بل يروّج لها منذ بداية الأزمة كاستراتيجية «بديلة» صاغتها جمعية مصارف لبنان في العام 2020 ردّاً على الخطّة الحكومية الأولى التي وُضِعت بمساعدة شركة «لازار» بالتوازي مع بدء النقاشات مع صندوق النقد الدولي.

إن إصلاح وتحسين إدارة الأصول العامّة هما في واقع الأمر أساسيان لتعزيز كفاءة هذه الأصول وزيادة إيرادات الدولة. وعلى الرغم من أن هذا الهدف هو الأولوية التي تعبِّر عنها هذه الاقتراحات، ولكنها لا ترقى إلى المستوى المطلوب لتحسين إدارة الأصول العامة. وفي حين تختلف كيفية إدارة هذه الأصول في الاقتراحات الثلاثة، إلّا أنها تتّفق جميعها على تحويل حصّة من الودائع المصرفية إلى التزامات على الدولة، ما يعني ضمنياً أن اللبنانيين سوف يتحمّلون النصيب الأكبر من خسائر القطاع المالي، حتى قبل أن يتحمّل مساهمو البنوك حصّتهم من المسؤولية. ويتناقض هذا المنظور مع التوجّهات العالمية في معالجة أزمات مماثلة، والتي تعتبر المصارف المسؤول الأوّل عن الخسائر، فيما مسؤولية الدولة ثانوية. ترتكز هذه المقاربات عادة على فكرة رئيسة مفادها أن إثقال كاهل الأجيال الحالية والمستقبلية بعملية إنقاذ القطاع المصرفي يعيق التعافي الاقتصادي وتوفير الخدمات العامّة.

2.  نبذة عن اقتراحات القوانين الثلاثة المُقدّمة

«حركة أمل»

اقتراح قانون يرمي إلى حماية الودائع المصرفية المشروعة وإعادتها إلى أصحابها

·        الهدف الأساسي المُعلن في هذا الاقتراح هو «منع منعاً مطلقاً أي من الحكومة أو مصرف لبنان أو المصارف العاملة في لبنان اتخاذ أي قرار أو القيام بأي إجراء أو تصرّف من شأنه المسّ بالودائع المصرفية أو الاقتطاع منها أو الحسم من قيمتها الحقيقية أو تغيير نوعها بأي شكل كان أو إلغاء التزامات المصارف لدى مصرف لبنان أو سداد الودائع بغير قيمتها الفعلية».


لا يستند هذا الطرح إلى أي استراتجية واقعيّة أو دراسات ماليّة وبالتالي لا يتعدّى كونه طرحاً شعبوياً

·        يقضي الاقتراح بإنشاء حساب خاص لدى مصرف لبنان «تودع فيه بصورة حصرية المبالغ المُخصّصة لإعادة أموال المودعين وتسديدها لهم». ويخصّص القانون لهذا الحساب:

-   حصّة غير مُحدّدة من عائدات إيرادات إدارة الأصول العامّة أو من السندات المدعومة بأصول عامّة لتسديد ديون الدولة لدى المصارف التي هي أصلاً أموال المودعين المودعة لدى مصرف لبنان.

-   حصّة غير مُحدّدة من الدخل الناتج عن تأجير الأملاك العامّة.

-   حصّة غير مُحدّدة من عائدات النفط والغاز.

ينصّ الاقتراح على تخصيص جزء كبير من الموارد العامة مباشرة إلى مصرف لبنان دون المرور بالخزينة العامة، من دون أي آليات رقابية وتنظيمية فعلية، ممّا يفتح الباب أمام تجاوزات عدّة كما يضعف موارد الخزينة العامة وينتهك مبادءها الأساسية.

·        ينصّ الاقتراح على إنشاء كيانين:

-  «هيئة مستقلّة للمراقبة وللإشراف وللعمل على تفعيل دور كلّ مرفق عام أو شركة مملوكة من الدولة وكيفية إدارة (باستثناء المرافق العامة ذات الصفة الإدارية) أي منها واستثماره وتحديد الطريقة التي يجب أن يستثمر بها». 

-  كما تنشأ «هيئة مستقلّة للمراقبة وللإشراف على الأملاك العامة والخاصة للدولة (بما فيها الأملاك البحرية والنهرية والمحميات والغابات) وكيفية إدارتها واستثمارها وتحسين مداخيلها ورفع قيمتها السوقية»، ولكن من دون عرض أي تفاصيل أخرى بشأن بنية هاتين الهيئتين.

تفتقر هيئتا الإشراف على إدارة أصول الدولة إلى الوضوح بشأن بنيتهما وتكوينهما ودورهما ومجال اختصاصهما، ما يجعل صلاحياتهما واسعة وغير محدّدة، ويزيد من احتمالات الفساد وسوء الإدارة.

·        يتعلّق جزء كبير من اقتراح القانون بإعادة هيكلة القطاع المالي، وبأن تقوم الدولة بإعادة رسملة مصرف لبنان بقيمة 5 مليارات دولار، عدا عن تكليف المصارف بإعادة الرسملة في غضون عام واحد عبر تدابير مختلفة، وإلّا تحال إلى التصفية أو الدمج. أيضاً ينصّ الاقتراح على ضمان الودائع بنسبة 100% حتى سقف 50 ألف دولار لمدة 5 سنوات على أن تدفع بالعملة الأجنبية أو بالليرة اللبنانية وفق سعر السوق.

لا يلتزم مشروع القانون بالممارسات الدولية الفضلى لإعادة هيكلة المصارف، وتوزيع الخسائر وفقاً لتسلسل المسؤوليات.

«القوّات اللبنانية»

اقتراح قانون يرمي إلى إنشاء مؤسّسة مستقلّة لإدارة أصول الدولة

·        ينصّ الاقتراح على إنشاء مؤسّسة مستقلّة مُكلّفة بإدارة أصول الدولة وشركاتها ومؤسّساتها وإدارتها ذات الطابع التجاري، بغية تحسين كفاءتها، كما ينصّ الاقتراح على إشراف هذه المؤسّسة على «المؤسسة العقارية المستقلّة» التي يفترض أن تُنشأ على شكل شركة قابضة وأن تنقل إليها الحكومة العقارات العامة المبنية وغير المبنية لإدارتها والانتفاع منها.

إن إنشاء هيئة واحدة لإدارة الأصول العامة كافّة يركّز المخاطر في مكان واحد  single point of failure خاصّة أن آليات التنظيم والرقابة غائبة.

·        يستند الاقتراح إلى المادة 15 من الدستور التي تنصّ على حماية الملكية الخاصّة كتأكيد مُبيّت على «مسؤولية الدولة بالمساهمة في ردّ الودائع».

·        ينصّ الاقتراح على تخصيص نصف عائدات المؤسّسة المستقلّة لصالح صندوق استرداد الودائع وتحويل النصف الآخر إلى الخزينة العامة.

في حين يفترض أن يكون الغرض من تحويل جزء من عائدات الأصول العامة إلى صندوق استرداد الودائع هو معالجة «جزء كبير من الخسائر»، لم تحدّد النسبة من الخسائر المُفترض تعويضها ولا الإطار الزمني لاستهلاك إيرادات الأصول العامة.

إن تكريس عائدات الأصول العامة لصندوق استرداد الودائع بدون أي أفق زمني وأي ضوابط، يديم استئثار أقلية بالموارد العامة ويوفّر مخرجاً لأصحاب المصارف الذين يسعون إلى التهرب من المساءلة.

·        يتمتّع مجلس إدارة المؤسّسة المكوّن من 8 أعضاء بسلطة واسعة على إدارة الأصول العامة.

بنية الهيئة وشروط تعيين أعضائها لا تضمن استقلاليتها أو الحماية من تضارب المصالح.

·        يتضمّن اقتراح القانون أحكاماً تتعلّق بإدارة العقارات العامة، ما في ذلك إصدار السندات، ومنح امتيازات استثمار لمدة تصل إلى 50 عاماً، وتوفير خيارات التأجير لفترات تصل إلى 20 عاماَ.

صلاحيات الهيئة واسعة تتضمن إصدار سندات دين ممّا يؤدّي إلى تبعات خطرة على المالية العامة.

مشروع «التيّار الوطني الحرّ»

اقتراح قانون إنشاء الصندوق الائتماني لحفظ أصول الدولة وإدارتها

·        يهدف اقتراح القانون إلى إنشاء صندوق ائتماني تحوّل إليه ملكية الأصول العامّة بما فيها المؤسّسات العامّة والشركات المملوكة من مصرف لبنان، وتناط به مسؤولية إدارتها على أن تتم الإشارة إليه ضمن باب مستقل في الموازنة العامة.

إن مركزية اتخاذ القرار من خلال صندوق إئتماني واحد لكافّة الأصول العامّة لا تضمن بالضرورة فعالية أكبر، بل تشكّل خطراً من خلال تركيز المخاطر في مكان واحد.

·        ينصّ الاقتراح على تخصيص 30% من عائدات الصندوق إلى مؤسّسة ضمان الودائع لتسديد ديون المودعين، وتخصيص 35% للمناطق الجغرافية الإدارية المنشأة بموجب تطبيق اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة. أما الباقي (35%) فيذهب إلى الخزينة العامة.

ان اختيار النسب أعلاه هو اعتباطي إذ لا يستند إلى دراسة جدوى تحدّد العائدات المتوقّعة من هذه الأصول قبل تحديد كيفيّة استخدامها، خاصّة أن هذه النسب ممكن أن تتغيّر بحسب وضع المالية العامة.

·        يُحدّد الاقتراح حدّاً أقصى لضمان الوديعة بقيمة 3 ملايين دولار من خلال مؤسّسة ضمان الودائع، كتأكيد لمسؤولية الدولة تجاه المصارف.

لا يستند الاقتراح إلى أي دراسة تؤكّد إمكانية ضمان هذا المبلغ أو تحدّد جدولاً زمنياً لاسترداده

·        يتمتع مجلس الإدارة، المكوّن من 7 مدراء عامين، بسلطة واسعة على إدارة الأصول العامة.

هنالك خطر حقيقي بأن يؤدّي الاقتراح إلى إنشاء هيئة جديدة يتم تأليفها وفقاً لمنطق المحاصصة الطائفية، فبنية الصندوق التي تركّز الصلاحيات في أيدي ممثلين عن الوزارات الأساسية هي أبرز مؤشّر على ذلك.

·        يستثني اقتراح القانون بيع أسهم الصندوق الائتماني نفسه. ومع ذلك، يمكن للصندوق خصخصة ملكية أو إدارة الأصول العامة التي يملكها. كما يسمح للصندوق بإصدار سندات بالعملات الأجنبية لتمويل الشركات والأصول التي يملكها، وتحويل هذه السندات إلى أسهم في هذه الشركات.

يمنح الاقتراح الصندوق سلطة على مصير الأصول العامة، بما في ذلك خصخصتها، من دون أي آليات إشراف مستقلة حقيقية، كما يسمح بإصدار سندات دين، ممّا يفتح المجال أمام تجاوزات عديدة وسوء إدارة الأصول العامة.

3.   تعليقات «كلنا إرادة»

تنطوي الاقتراحات الثلاثة على هدف مشترك لمعالجة الأزمة المالية، ولكنها تفتقر إلى التماسك الشامل، ولا تستند إلى أي توقّعات مالية، ولا تتماشى مع المعايير المُعترف بها سواء في إعادة هيكلة المصارف أو إدارة الأصول العامة أو شروط وأحكام قانون اللامركزية الذي يقوم عليه اقتراح التيار الوطني الحر. هذه الاقتراحات، في أقل تقدير، هي مجرّد نصوص تسعى إلى قول الكثير إنّما بقليل من التفصيل والوضوح. وأمام هذا الواقع، يكمن الخطر في تنقيد الأصول العامّة تحت ذريعة زائفة تزعم التعويض عن المودعين.

إدّعاء تعويض المودعين عبر الأصول العامة، إستمرار بالتضليل والخداع

·        الخطر الرئيسي الذي تلقيه هذه الاقتراحات هو تضليل المودعين عبر إيهامهم بأن تخصيص جزء من دخل الدولة بشكل مباشر لهم كفيل بالتعويض عن الودائع. في الواقع، إن حجم الخسائر غير المسبوق في القطاع المصرفي يبيّن أنّ هذا الحلّ غير واقعي. فحتى لو تمّ توجيه كل إيرادات الأصول العامة لتعويض هذه الخسائر، قد يستغرق الأمر ما يقارب 50 عاماً لسدّ الفجوة بين أصول المصرف المركزي والتزاماته.

·        إن هذه الحلول التي تستهدف حوالي 10% من المودعين فقط تخاطر بنقل الثروة إلى قلّة بدلاً من إفادة مجمل اللبنانيين.  فبينما تتكبّد غالبية المودعين (90%) خسائر يومية بسبب تأخّر إعادة هيكلة القطاع المصرفي وغياب ضوابط رأس المال، وتخضع غالبية المودعين منذ سنوات لتوزيع غير عادل للخسائر، تستفيد قلّة من توزيع استنسابي لما تبقّى من موارد. بالإضافة إلى أن أي تخصيص للأموال العامة له عواقب مالية، ويؤدّي إلى زيادة الضرائب أو انخفاض الأموال المُخصّصة للإنفاق العام.

·        هذه المقترحات ليست إلّا مسعى للالتفاف على الإصلاح والمحاسبة من خلال استبدال إعادة هيكلة القطاع المصرفي بأساليب غير ملائمة للتصدّي للأزمة، تربط استرداد الودائع بالإيرادات المستقبلية للأصول العامة، وتحاول بالتالي إعفاء المصارف من مسؤوليتها في التعويض عن المودعين وتكرّس الإفلات من العقاب.

إن إعادة هيكلة القطاع المصرفي بشكل فوري هي المسار العادل والوحيد للتعويض عن المودعين وإنعاش القطاع المصرفي والنهوض بالاقتصاد ويجب فصل هذا المسار عن مسار إدارة أصول الدولة.

دور الدولة في التعويض عن المودعين، مساهمة مشروطة بالمصلحة العامة

·        تفترض اقتراحات القوانين، عن خطأ، الالتزام المالي المباشر للدولة تجاه المودعين، وتستند إلى أسس قانونية مثل المادة 113 من قانون النقد والتسليف أو المادة 15 من الدستور، وهذا الاستناد في غير محلّه. فالمادة 113 تنص على تحمّل الدولة خسائرعن مصرف لبنان، ولكن عن سنة ماليّة معيّنة، وذلك طبعًا بعد التدقيق في الميزانيّة والمصادقة عليها وفق آليّات معيّنة، وليس تحمّلها مجمل ديون المصرف المركزي تجاه المصارف. أما الاستناد إلى المادة 15 من الدستورالتي تنصّ على احترام الملكية الفردية، ورغم مشروعيته، فيعتبر أن ديون الدولة تجاه المصرف المركزي هي فعلياً اموال المودعين ويجب على الدولة التعويض عنها وهذا استنتاج غير دقيق. كما أن في ذلك تجاهل لقواعد الإفلاس المالي التي تعج بالأمثلة على صعيد العالم، والتي تؤدي إلى تحميل الخسائر لأصحاب الحسابات الخاصة دون تعويضهم. تأكيدا على ذلك، أقامت هذه الأنظمة مؤسسات مهمّتها ضمان الودائع، وعادة ما يكون المبلغ المضمون أي القابل للاسترداد ضمن سقف معيّن.

·        تتجاوز الخسائر في القطاع المصرفي ال70 مليار دولار وهي ناجمة أولاً عن سياسة تثبيت سعر الصرف التي اتّبعها المصرف المركزي وعن هندساته المالية. إن اقتراح استخدام الأصول العامّة لتعويض الخسائر يلقي العبء القانوني والمالي على عاتق دافعي الضرائب ممّا يخالف المعايير الدولية ومبدأ الهرمية في تحمّل المسؤوليات.

·        إن أي مساهمة للدولة يجب أن تحترم الهرمية والتراتبية في توزيع الخسائر، أي فعلياً يجب أن تتحمّل المصارف في الدرجة الاولى مسؤولية التعويض على المودعين، ثم مصرف لبنان، وتكون من بعدها أي مساهمة محتملة للدولة مشروطة بعدم إلحاق الضرر بوضعية المالية العامة وبقدرة الدولة على الاستمرار في تأمين الخدمات الأساسية للمواطنين.

·        تتجاهل الاقتراحات الحالية مساهمة الدولة المقترحة في الخطط الحكومية الحالية، ومنها مساهمة الدولة في إعادة رسملة مصرف لبنان وفي صندوق استرداد الودائع، وهو ما يعني ضمنياً مساهمتها بشكل كبير في تعويض المودعين.

·        إن إنشاء صندوق استرداد الودائع لإدارة الالتزامات وسداد الودائع «المشروعة» التي تخضع لإجراءات التدقيق والامتثال، من شأنه أن يرفع نسبة التعويض عن المودعين، ولتحقيق هذا الهدف يمكن للدولة أن تساهم ضمن صندوق استرداد الودائع شرط ألّا يرتّب ذلك ديوناً عليها وألّا يؤثرعلى الخدمات الأساسية للمواطنين. فمجمل إيرادات الأصول العامة يجب أن تعود بالنفع على الخزينة العامة حصراً على أن تقوم الدولة من بعدها بإنفاقها بحسب ما تقتضيه المصلحة العامة.

·        إن النقاش حول المسؤولية المالية للدولة في التعويض عن المودعين منفصل عن النقاش حول المسؤولية الفردية لأعضاء الطبقة السياسية التي أدارت البلاد خلال العقود الماضية. ومن هنا لا بد من محاسبة المسؤولين في الإدارات العامة عن قراراتهم على صعيد السياسات المالية وارتكاباتهم للجرائم المالية.


الهيكلية المطروحة، تمهيد لسوء إدارة ما تبقّى من موارد

·        يعدّ إصلاح إدارة الأصول العامة أمراً أساسياً. وعلى الرغم من أن هذا الهدف هو الأولوية التي تعبِّر عنها هذه الاقتراحات، ولكنها لا ترقى إلى المستوى المطلوب لتحسين إدارة الأصول العامة. هناك شروط مُسبقة يجب استيفاؤها؛ إذ لا يمكن سنّ قوانين قبل إجراء جردة شاملة لكلّ أنواع الأصول العامّة ووضع استراتيجية واضحة لدرّ الإيرادات قبل التفكير بكيفية توزيعها، والأهم لا يمكن القيام بكلّ ذلك قبل مأسسة سلطات رقابية وتنظيمية فعّالة.

للمزيد، الرجاء تحميل الملف



 

 

 

 

 

 

 

 

أزمة لبنان

تتمنّع السلطات اللبنانية عن تنفيذ القوانين النافذة منذ انكشاف الإفلاس المصرفي في تشرين الأول 2019. وفي حين لا تزال النسخة الأخيرة من مشروع قانون إعادة التوازن إلى القطاع المصرفي مُعلّقة بانتظار مناقشتها في مجلس الوزراء، عاد طرح استخدام الأصول العامة لتعويض خسائر المصارف إلى الواجهة مجدّداً، وأُدخِل في صلب قرار اتّخذه مجلس شورى الدولة في 6 شباط 2024 في الدعوى المُقدّمة من جمعية مصارف لبنان ضدّ الدولة اللبنانية. و ينصّ القرار على «إبطال قرار مجلس الوزراء بالموافقة على استراتيجية النهوض بالقطاع المالي في شقّها المتعلّق بإلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف»، وهو بالتالي يلقي المسؤولية على عاتق الدولة للتعويض عن جميع الخسائر التي تكبّدها مصرف لبنان.

إنضم إلى قائمتنا البريدية