لقد أعلنت الحكومة اللبنانية أنها لن تقوم بسداد سندات اليوروبوند المستحقة في ٩ آذار وأنها ستسعى إلى إعادة هيكلة ديونها الخارجية بما يتوافق مع مصلحتها الوطنية ومن خلال مفاوضات مع الدائنين تعتمد على الانصاف وحسن النية.
أدناه، إجابات من كلنا إرادة على الأسئلة المتداولة حول هذا التخلّف في دفع الديون السيادية.
هل إنّ تخلّف الحكومة ينحصر في سندات اليوروبوند المستحقة في ٩ آذار أو إنه يطال كامل ديونها الخارجية؟
تعتبر الحكومة متعسرة في 16 آذار أي فى نهاية فترة السماح التي تمتد على 7 ايام. ويؤدي هذا التخلف عن سداد سلسلة سندات اليوروبوند المستحقة في آذار ٢٠٢٠ إلى تخلف عن سداد كافة سندات اليوروبوند المستحقة والتي يبلغ مجموعها 33.5 مليار دولار أمريكي. وبالتالي يحق لحاملي السندات من إصدارات أخرى أن يطالبوا بتسريع دفع السندات الخاصة بهم.
هل كان بإمكان الحكومة ان تتجنب التخلّف؟
كان بوسع الحكومة تجنب التخلّف عبر الاتفاق على شروط إعادة الهيكلة قبل الإعلان عن التخلّف عن الدفع. وكان ذلك ليتطلّب موافقة ٧٥ في المائة من حاملي سندات اليوروبوند التابعة لكل إصدار الذين يقومون بالتصويت على أساس كل إصدار. وكان لا بدّ من إقرار شروط اقتراض جديدة، تشمل معدلات الفائدة وتواريخ الاستحقاق وفترة السماح. ولكنّ رد فعل الدولة اللبنانية أتى متأخراً جداً. فلم يتم تعيين مستشارين ماليين وقانونيين إلا قبل ايام قليلة فقط من المهلة النهائيّة المحددة في ٩ آذار.
وحتى في حال تحضرت الحكومة قبل ذلك، فإنّ النجاح لم يكن مضموناً أبداً. فقد باعت المصارف اللبنانية الأقلية المعطلة (أي أكثر من ٢٥ في المئة من السندات) لمستثمرين أجانب. ورغم تفهمنا لحاجة المصارف إلى زيادة سيولتها عن طريق بيع سندات اليوروبوند بأسعار متدنية، أي بـ ٢٥% من القيمة الأصلية، فقد أدى ذلك إلى نشوء مطالبات كبيرة إزاء الدولة. فلكلّ دولار يتم جمعه، تنشأ مطالبة بقيمة ٤ دولارات بسعر ٢٥ سنتا مما يضعف ايضاً موقف الحكومة في المفاوضات المستقبلية.
ماذا سيحدث الآن وما هي عواقب التخلّف عن السداد؟
لكي يكون اتفاق إعادة هيكلة الديون نافذاً في ما يتعلق بإصدار معيّن سواء قبل أو بعد التخلف، ولكن قبل صدور الحكم النهائي في الدعاوى القضائية، لا بدّ من أن تحصل الشروط الجديدة على موافقة حاملي ٧٥ في المائة من سندات كل إصدار من إصدارات اليوروبوند الـ ٢٧ التابعة للدولة اللبنانية. ويعتبر بعدها أي اتفاق ملزماً لكافة حاملي السندات.
وفي هذا الإطار لا بدّ أن نفترض أن بعض حاملي السندات لن يقبلوا بإعادة الهيكلة وسيرفعون الدعاوى للضغط على الحكومة.
ولكن في الحقيقية إنّ أغلب التداعيات السلبية للتخلف عن الدفع قد سبق ان تحققت في لبنان. وفي سياق آخر، يمكن أن يتسبب التخلف عن السداد في أزمة ائتمانية وتهافت على المصارف، مما يؤدي بدوره إلى أزمة مالية. غير أنّ المصارف اللبنانية حالياً لا توفر الاعتمادات ولا تتلقى الودائع وهي تضع ضوابط على السحوبات النقدية بالعملات الأجنبية. وبعبارات أخرى، لم تعد المصارف اللبنانية قادرةً على أداء دورها كوسيط مالي ومستودع آمن للأصول المالية، وهو ما يعتبر مسؤولياتها الأولى.
وبأقلّ تقدير سوف يجبر هذا التخلف المصارف على تحمّل ما لا يقل عن ٨٠% من الخسائر على قيمة محفظتها باليوروبوند. إلا أنّ المصارف اللبنانية تواجه على أي حال مشاكل كبرى أخرى في مجال السيولة وعدم الملاءة. ولذلك على الحكومة إعداد خطة عاجلة لإدارة أزمة القطاع المصرفي، مع دعم فني من قبل شركات الاستشارات القانونية والمالية. ويعتمد مستقبل الودائع على طبيعة استجابة الحكومة للأزمة. ولا شك في أننا في سباق زمني بين خطة شاملة نحن بأمس الحاجة إليها وبين ديناميات الأزمة التي يمكن أن تتحول إلى حلقة مفرغة من التضخم المفرط وانخفاض قيمة الليرة.
لماذا قررت الدولة اللبنانية ان تتخلّف عن الدفع؟
لقد انخفض احتياطي لبنان من الدولار بشكل جذري. لذلك كان لا بدّ من وضع الأولويات في ما يتعلق باستخدام ما تبقى من العملات الأجنبية. فكان على مجلس الوزراء أن يختار بين الدفع للدائنين الخارجيين أو استخدام الأموال لاستيراد الاحتياجات الأساسية للبنانيين كالأدوية والمواد الغذائية والوقود.
لقد عارضت بعض الأصوات إعادة الهيكلة على أساس أن استحقاقات شهر آذار صغيرة نسبياً مقارنةً بإجمالي الديون المتوجبة على لبنان. ما رأيكم في ذلك؟
أولا، إنّ المدفوعات المستحقة بنهاية العام تتجاوز 4 مليارات دولار. وهذا ليس بالمبلغ القليل مقارنةً باحتياطيات العملات الأجنبية المتبقية، والتي تقدر بما بين ٦ مليارات و٢٢ مليار دولار أمريكي، حسب ما هو متاح فعلياً للاستخدام. ولسوء الحظ لا يقوم المصرف المركزي بنشر أرقام مفصلة للاحتياطي.
ثانياً، لا بد من أن ندرك أن سندات اليوروبوند البالغة ٣٣.٥ مليار دولار تشكل جزءاً فقط من إجمالي الدين العام اللبنانيّ بالعملات الأجنبية (أي الدين الحكومي، وديون المصرف المركزي، وديون المؤسسات العامة). وتبلغ ديون المصرف المركزي بالعملات الأجنبية تقريباً ضعف حجم الدين السيادي وهي تشكل مشكلةً بأهمية مشكلة الدين السيادي. ويشمل ذلك شهادات الإيداع بالدولار والحسابات الجارية بالدولار والتي يبلغ مجموعها ٥٧ مليار دولار أمريكي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاحتياطيات الإلزامية للمصارف التجارية في مصرف لبنان والتي تبلغ ١٨ مليار دولار ترفع إجمالي تعرض مصرف المركزي إلى ٧٥ مليار دولار مع وجود ٢٩ مليار دولار فقط من حيث الأصول. هذا يجعل مصرف لبنان متعسراً من ناحية الملاءة والسيولة.
وبالتالي، باستثناء دين الخزينة بالليرة، والذي يبلغ ٨٤.٠٠٠ مليار ليرة لبنانية، فإن إجمالي الدين العام بالعملة الأجنبية ضخم بأي معيار. وهو يمثل أكثر من ٢٠٠ في المائة من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع لعام ٢٠٢٠. وهذا في حد ذاته يتطلب إعادة هيكلة عاجلة.
ثالثاً، تبيّن أسعار السوق أنّ حاملي السندات أنفسهم لم يتوقعوا أن يدفع لهم بالكامل إذ يتم بيع سندات اليوروبوند اللبنانية في الأسواق المفتوحة بجزء بسيط من قيمتها الاسمية.
إذاً يمكننا القول باختصار إن التسديد في شهر آذار كان ليعني ارسال دولارات نحن بأمس الحاجة اليها الى حسابات مصرفية خارجية من دون إيجاد حل لأزمة الدين الحادة والعميقة التي يعاني منها لبنان.
هل ما زال بإمكان الحكومة معالجة الأزمة بشكل يعيد الثقة ويحافظ على النسيج الاجتماعي اللبناني؟
إن ذلك ممكن إذا كانت الإرادة متوفرة. ولا شك في أن أوقات عصيبةً آتية حتماً. ولكن لا زال بإمكان الحكومة إدارة توزيع الخسائر بشكل عادل شرط العمل بشكل سريع على تطوير وتنفيذ خطة شاملة للتصحيح الاقتصادي والمالي والنقدي.
هل ان اللجوء الى برنامج بإدارة صندوق النقد الدولي هو ضرورة حتمية؟
يعاني لبنان من مزيج معقد من الأزمات: من أزمة في ميزان المدفوعات إلى أزمات الدين والعملة والقطاع المالي والقطاعات الإنتاجية، الخ. ولذلك فإن الأولوية تتمثل في وضع استراتيجية واضحة لإصلاح نموذج لبنان المالي والاقتصادي المتعثر وإجراء الإصلاحات الهيكلية الضرورية. ومع ذلك، فإن إعادة الهيكلة والحاجات المالية كبيرة لدرجة أننا سنحتاج إلى حقن سيولة من الخارج. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن صندوق النقد الدولي قد أنشئ لتلبية هذا النوع من الاحتياجات ويمكن للبنان كدولة عضو في الصندوق أن يلجأ إليه. بيد أن الحكومة الحالية لم تثبت بعد قدرتها على وضع رؤية استراتيجية وخطة انقاذ للخروج من الازمة التى ليست أزمةً ماليةً فحسب بل أزمة نظام أيضاً. ولا شك في أنّ المصداقية شرط أساسي لأي حكومة تحتاج إلى العون الخارجي سواء من صندوق النقد الدولي أو من أي جهة دائنة دولية.