تَبِعَ قرار الحكومة اللبنانية تلزيم عقود التنقيب عن النفط في البحر لتحالف شركات Total-Eni-Novatek، تسرّعٌ خطير في محاولة إقرار مجموعة من التشريعات المصيريّة التي تحمل تأثيراً لا يقتصر على السنوات المقبلة فقط، بل يمتدّ ليطال الأجيال القادمة.
يحمل الإطار القانوني الحاليّ لقطاع النفط بعض الثغرات المتعلّقة بالشفافية تحتاج إلى معالجة لكنه مكتمل ويتيح لتحالف الشركات أن يبدأ الحفر في العام ٢٠١٩.
لن يصبح لبنان بلداً منتجاً للنفط قبل أن يتحقق اكتشافٌ تجاريّ. وفي أيّ حال لن نحقّق عائدات قبل ٧ أو ١٠ سنوات.
لذلك، لا حاجة لأي من مشاريع القوانين المقترحة (أي قانون الأنشطة البترولية على البرّ، قانون إنشاء الصندوق السيادي، قانون إنشاء الشركة الوطنية للبترول، قانون إنشاء مديرية للأصول البترولية) للبدء في التنقيب البحريّ.
في المقابل، وبما أن الوقت قد حان ليرسي لبنان مبادئ الإدارة الجيّدة في سير العمل التشريعيّ، علينا أن نستغلّ هذه الفرصة لأنّ قطاع النفط والغاز لا يزال في مرحلة تأسيسيّة ومن المحتمل أن يكون عاملاً في تغيير النموذج السياسيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ في لبنان.
فلنعمل على القيام بهذا التغيير نحو الأفضل ونتجنّب "لعنة الموارد" التي يحذّر منها كل الخبراء.
إنّ الإدارة الجيّدة تبدأ بالإستشارة العامّة، لذلك نحن كمنظمات مدنيّة بحاجة للإطلاع بشكل كامل على مشاريع القوانين التي ينبغي أن تشكّل أوراقاً مفتوحة للنقاش. يجب تدعيم هذه النصوص المصيريّة بتفسيراتٍ تفنّدُ أسباب عرض القوانين على هذا النحو وربطها باستراتيجية وطنيّة شاملة.
وهنا ما من حاجة للقول إن المسؤولية تقع على عاتق الحكومة. فعلى الرغم من حقّ النواب باقتراح القوانين، يجب أن تصادق الحكومة أيضاً على هذه المسألة الوطنيّة المصيريّة.
نحن كمنظمات مدنيّة، بحاجة إلى وقتٍ كافٍ لمراجعة النصوص وخلق إطار رسميّ للنقاش. نأمل أن يكون زمن إسقاط مساهمة المجتمع المدني بحجّة افتقاره إلى الخبرة قد انتهى، خصوصاً أن لبنان سيكون عضواً في مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية . لذلك على لبنان أن يؤمّن المشاركة الفعاّلة للمجتمع المدني والمواطنين لضمان الشفافية والمساءلة في قطاع النفط والغاز.
من هذا المنطلق عملت "كلنا إرادة" على
حملة إعلامية مشتركة مع "
المبادرة اللبنانية للنفط والغاز" انتشرت بشكل واسع تجاوز التوقعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ساهمت الحملة في نشر الوعي حول قضية النفط والغاز وتفعيل النقاش حولها في الفضاء العام.
يمكن للبنان أن يعتمد في مجالات عدّة على المنظّمات المدنية ومن بينها "المبادرة اللبنانية للنفط والغاز" التي تمتلك سجلاً قوياً في قطاع النفط والغاز. "كلنا إرادة" تدعم اعتقاد "المبادرة اللبنانية للنفط والغاز" أن لا داعي للتسرّع في إقرار القوانين الأربعة.
في الحقيقة، وقبل أن نناقش كيفيّة إدارة عائدات غير محدّدة، يجب إعطاء الأولوية القصوى للعمل على إصلاحٍ ماليّ حيويّ وتصميم استراتيجيّة تضع حداً للاقتصاد الريعيّ الذي يقوّض نسيجنا الاجتماعي حتى قبل ان نكتشف النفط والغاز.
ينصّ القانون ١٣٢ على أن تصبّ عائدات النفط برمّتها في صندوق سياديّ يكون أداة للإدخار من أجل الأجيال القادمة.
"كلنا إرادة" تدعم إنشاء صندوق سياديّ فعّال وشفّاف للثروة الوطنية كجزء من السياسة العامة لحكومتنا، لكننا نشكك في قدرة السلطة الحالية على القيام بذلك. من هذا المنطلق ينبغي أن نعمل سوياً انطلاقاً من نقاش وطنيّ نجده ضروريّاً لتحديد إطار شامل على مستوى إدارة القطاع.
على أيّ حال لا يمكن اتخاذ أي قرار جدّي بشأن هدف أو هيكلية هذا الصندوق البالغ الأهمية قبل تقدير قيمة الإيرادات.
إنّ مشروع قانون الصندوق السياديّ بما هو عليه يتطلّب عملاً كبيراً ليصبح مطابقاً للمعايير العالميّة. كما أنّه من المبكر جداً اتخاذ قرار حول تخصيص العائدات لتخفيض الدين العام في غياب ايّ جهد جديّ لتحديد سبل معالجة الإختلالات الهيكليّة في ماليّة الدولة. يجب أن تكون الأولويّة في معالجة مشكلة الدين العام والعجز المالي غير المنضبط والعجز المتفاقم في ميزان المدفوعات من خلال أنظمة ضريبيّة جديدة وعادلة تراعي الشفافية ووفق آليات المراقبة المناسبة.
في الوقت الحالي ما من حاجة لإنشاء شركة وطنيّة للبترول إذا كان هدفها يقتصر على اكتساب حصّة من تحالف الشركات.
إنّ إدارة هيكليّة مستقبليّة وطموحة لأي شركة وطنيّة للبترول يجب أن تكون مدروسة بشكل جيّد، لعدم تكرار التجربة اللبنانيّة في المؤسسات العامّة المعطّلة التي تخدم النظام الزبائنيّ للسلطة.
إننا إذا نؤيد الرغبة في إنشاء شركة وطنية كوسيلة للحفاظ على مصلحة الدولة والمواطنين (والأجيال المقبلة أيضاً)، تبقى قناعتنا أنّ نصّ القانون بما هو عليه، وإن كان جيداً على مستويات عدة، ليس كافياً.
في النهاية، حتى لو كان لبنان بحاجة إلى استكمال التشريعات حول الأنشطة النفطية البريّة بعد إقرار قانون استكشاف النفط في البحر، لا يزال هناك متّسع من الوقت لسلوك آليّة مناسبة وشفّافة لمراجعة مشروع قانون النفط البريّ المقترح ومعالجة المخاوف الكبيرة حول عمليّة استملاك الأراضي والمخاطر البيئية التي تترتّب عنه.