ملاحظات مجموعة "كلنا إرادة" حول تعميم مصرف لبنان رقم ١٤٨

٨ نيسان ٢٠٢٠   |   الاقتصاد والمالية العامة   |   أزمة لبنان   |   ورقة الموقف
تعميمات مصرف لبنان: لم تعد السياسات الرديئة التصميم مقبولةً ولا بدّ من رزمة إصلاحات متكاملة.

ترحب "كلنا إرادة" بالجهود الرامية إلى تخفيف الأعباء على صغار المودعين. ومع ذلك، فإننا نعرب عن قلقنا إزاء التعميم الأخير الصادر عن مصرف لبنان، والذي يأتي كتدبير مجتزأ لا يندرج في إطار خطة إعادة هيكلة شاملة لا بدّ أن تعتمدها الحكومة وتصدرها في تشريعات مناسبة. ويشير هذا التعميم إلى بداية حملة تهدف إلى تحويل الحسابات بالدولار إلى حسابات بالليرة اللبنانية، بدءاً بأصغر الحسابات، كما وتهدف إلى تحرير سعر صرف الليرة اللبنانية من خلال اعتماد أسعار متعددة لصرف العملات الأجنبية. وفي غياب استراتيجية شاملة وإطار شفاف، تشكّل هذا الإجراءات الجذرية مواصلةً غير مقبولة لسوء إدارة مالي ونقدي استمرّ لسنوات طوال. 

ويهدف التعميم رقم 148  الى الافراج عن حوالي 800 مليون دولار مستحقة لصغار المودعين، في محاولة من قبل مصرف لبنان لإدارة البيئة النقدية بعد فشل الحكومة في اعتماد قانون للحد من السحوبات (Capital Control) وهو أمر كان لا بد أن يكون أوّل تدبير في الخطة الإنقاذية. ومرةً أخرى، يتصرف مصرف لبنان على أنه الهيئة الوحيدة المسؤولة عن صنع القرارات في ما يتعلّق بالمسائل الاقتصادية والمالية والاجتماعية المهمة، وهذا ليس مجرد تجاوز لصلاحياته فحسب بل يعكس أيضاً التقصير المقلق جداً من قبل السلطتين التنفيذية والتشريعية. كما أنّ التقارير تفيد عن تدخل سياسي رفيع المستوى في هذا التعميم مما يبعث على القلق والإدانة في الوقت نفسه.  

ولا يستجيب هذا الإجراء بحدّ ذاته للطابع الطارئ الذي وصل إليه الوضع المالي في البلد، وينبغي أن يُستكمل على وجه السرعة بقانون للحد من السحوبات يعالج أوجه القصور الموجودة في التعميم، تليه خطة إنقاذية تمتد على المستويات كافةً. والواقع أنّ المطلوب هو حزمة إصلاحات متكاملة تستهدف كافة جوانب إعادة هيكلة القطاع المصرفي والمصرف المركزي والمالية العامة، وذلك لضمان الشفافية واﻹنصاف والمساءلة الملائمة، وإعادة ضخ السيولة التي ﻻ غنى عنها في اﻻقتصاد.

ومن الناحية القانونية، يمثل التعميم وسيلةً غير تقليدية لحماية المصارف اللبنانية من الفشل وينتهك القوانين والاختصاصات القائمة. وهو إجراء آخر يهدف إلى إدارة أزمة القطاع المصرفي عبر السعي في الوقت نفسه إلى الالتفاف على القوانين التي ترعى حالات توقف الدفع من قبل المصارف أو في أحسن الأحوال تجنب الوقوع في نطاق هذه القوانين. وفي الأوقات العادية، عندما يكون أحد المصرف في حالة توقف عن الدفع، يتعيّن على مصرف لبنان إحالته إلى المحكمة المصرفية الخاصة من أجل الشروع في اتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة. ولا يزال مصرف لبنان اليوم ملزماً بهذا القانون إلى أن يتم اعتماد قوانين جديدة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي بأكمله. ولذلك فإن أي إجراءات لإعادة الهيكلة ينبغي أن تعتمد على أساس منطقي واضح وأن تندرج في إطار خطة شاملة لإعادة الهيكلة تقدم مع مشاريع القوانين اللازمة. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن قانون النقد والتسليف لا يمكن تفسيره بشكل آمن على أنه يسمح لمصرف لبنان بانتهاك مبدأ المساواة في معاملة المودعين.


الإجراء تعسفي وغير منصف كما أنه يفتقر إلى مؤشرات كمية. 

لقد تم تقديم هذا الإجراء على أنه محاولة لمساعدة صغار المودعين على الوصول إلى أموالهم من خلال تزويدهم بالسيولة التي هم بأمس الحاجة إليها في هذه الأزمة. ومع ذلك، فإن الطابع التعسفي لتحديد حدود الحسابات الخاضعة لها الإجراء (000 3 دولار أو 000 000 5 ليرة لبنانية) يدل على عملية وضع سياسات بطريقة انتقائية. وبهذا يكون الحساب الذي فيه 000 3 دولار يساوي، بالقيمة السوقية الصافية، أكثر من حساب يحتوي على 001 3 دولار. 

وهناك سياسة أكثر ترشيداً وإنصافاً لتفادي هذه التناقضات تتمثل في وضع حد هامش ضمن عتبة معينة مع نقطة فاصلة محددة. ومن شأن ذلك أن يتيح لقاعدة أكبر من المودعين النفاذ إلى السيولة التي هم بأمس الحاجة إليها خلال الأزمة هذه، مع الإشارة إلى أنّ نسبةً كبيرةً من المودعين ال87% الذين تقلّ ودائعهم عن 75 مليون ليرة  أو 50 ألف دولار أمريكي لن يستفيدوا من هذا التعميم. 

وبصرف النظر عن ذلك، فإن أي قرار بشأن الهوامش المستهدفة ينبغي أن يستند إلى منطق اقتصادي واضح ومنشور قائم على بيانات كمية. والأهم من ذلك، لا بدّ أن يكون جزءاً من رزمة متكاملة من الإصلاحات المالية لا من ضمن الإجراءات المجتزأة التي يفرضها مصرف لبنان.

يعطي هذا الإجراء بعض المساحة لصغار لمودعين تسمح لهم بالتقاط أنفاسهم، ولكن ليس من دون تكلفة.

لقد تمّ عرض القرار على أنه يفيد صغار المودعين، ولكنّ الواقع هو في الحقيقة أكثر غموضاً: ففي حين أنه يوفر إمكانية الحصول على السيولة للمودعين المقصودين الذي يبلغ عددهم 1.7 مليون شخص، فإنه لا يأخذ في الاعتبار الأثر اللاحق وهو انخفاض قيمة الليرة مزيداً وارتفاع نسبة التضخم التي سوف تنجم عن هذه الآلية، حيث أنّ مصرف لبنان سوف يضطر إلى زيادة عرض الليرة لتغطية هذه العمليات، بتكلفة تقدر بمليار دولار أميركي من سيولته المقترضة. وإن اشتراط تسديد جميع القروض ليكون صافي الحساب بعدها ضمن هامش ال000 3 دولار/ أو 5 ملايين ليرة لبنانية [ودائع - قروض]، بدلاً من الإشارة إلى القيمة الحالية للودائع، يتعارض مع حقوق العميل المتفق عليها مسبقاً وسيؤدي إلى تقليل عدد المستفيدين من هذا الإجراء - ممّا يحرم بشكل غير عادل هؤلاء المودعين الصغار من الوصول إلى ودائعهم وهم بأمس الحاجة إلى ذلك.   

ومن ناحية أخرى، يسمح هذا الإجراء للمصارف بالتخلص في ميزانيتها العمومية من عدد كبير من الحسابات وتحسين محافظ التجزئة لديها. وفي حين أن ذلك سيؤدي إلى التخفيف من الضغط المتزايد التي طال خلال الأشهر القليلة الماضية العمليات المصرفية على الصندوق، إلا أنه قد يزيد من عدد الأفراد الذين سوف يصبحون خارج النظام المصرفي في وقت ينبغي على البلد أن يعمل على تعزيز الشمول المالي لا العكس.  

لا شك في أنّ عدم الوضوح في سعر الصرف يسمح بتلاعب كبير.

وقد وُضع التعميم بصيغة لغوية قد تفسح المجال أمام بوجود ثغرات وتلاعب في تطبيق التعميم وتنفيذه. فيسمح التعميم لكل مصرف بتحديد سعر الصرف بشكل يومي، من دون أي إشارة أو شروط تفسيرية مفصلة تتعلق بالمنصة الإلكترونية للتداول بالعملات الأجنبية المنشأة حديثاً. ولا شك في أنّ إنشاء منصة رسمية ومركزية لأسعار الصرف هي فرصة فريدة تسمح بمنع التلاعب بالسوق والتسعير المتعسف للعملات الأجنبية الذي يحدث في السوق الحرة. وفي هذا الإطار، نقترح وضع سعر «ثابت» يومي يعكس معاملات السوق الحرة ويسمح بوضع سعر مرجعي رسمي. ومع ذلك، يجب أن يكون لهذه المنصة آلية واضحة وشفافة تأخذ بالاعتبار بشكل حرّ كافة المزايدات والعروض المقدمة من خلال الوسطاء المعتمدين، من دون أي محاولة لوضع قيود على الأسعار أو على أحجام التداول. وإنّ محاولة الحدّ بشكل مصطنع من ارتفاع الأسعار أو انخفاضها سيؤدي إلى جعل المنصة عديمة الفائدة ودفع بالمعاملات الحقيقية نحو الأسواق الموازية. 


لقد أصبحت الإجراءات التعسفية التي يتخذها مصرف لبنان نمطاً غير مقبول. ولذلك فالحاجة فورية إلى رزمة متكاملة من الإصلاحات.

أزمة لبنان

في حين يواجه لبنان اسوأ أزمة اقتصادية ونقدية ومالية ومصرفية واجتماعية، تسعى منظمة "كلنا إرادة" إلى تعزيز التطور السريع لخطة إنقاذ على أساس مبادئ العدالة الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية.

إنضم إلى قائمتنا البريدية