ملاحظات مجموعة "كلنا إرادة" حول مسودة المشروع الإصلاحي للحكومة

١٦ نيسان ٢٠٢٠   |   الاقتصاد والمالية العامة   |   أزمة لبنان   |   ورقة الموقف جلسة مجلس الوزراء.

الإقرار الرسمي بحجم الخسائر هو خطوة أولى نحو الخروج من الأزمة

خلاص لبنان الاقتصادي مشروط بصياغة عقد اجتماعي جديد وتحرير المنظومة السياسية-الاقتصادية من منطق الزعامات

لا يجوز تعويض الخسائر على حساب المكلّفين: لا لبيع أصول الدولة


تشكّل مسودة المشروع الإصلاحي للحكومة أول إقرار رسمي بحجم الخسارات في النظام المالي اللبناني، وهذه هي الخطوة الأولى التي طال انتظارها نحو معالجة الأزمة. ويترتّب عن هذا الإقرار مسؤوليات ونتائج سياسية لا بد من التوقف عندها. فقد بات واضحا أن لا مجال للخروج من هذه الأزمة التاريخية من دون إحداث تغيير بنيوي في النظام السياسي الذي أودى بنا الى هذه الكارثة. 


الخطوة الأولى هي الإقرار بحجم الخسائر ومصارحة اللبنانيين

يبلغ حجم الخسارات أرقاما قياسية بمختلف مؤشراته، ويشكّل سابقة تاريخية ليس فقط في لبنان ولكن في العالم. وهذا ما كنا نحذر منه ويحذر منه عدد كبير من المراجع الاقتصادية منذ سنوات، وأتت السلطة التنفيذية اليوم لتؤكّد عليه رسميا. فالحقيقة مريرة ولكن من حق الشعب اللبناني أن يعرفها وأن يتم مصارحته بها بشفافية ووضوح. لقد دامت حالة الإنكار شهورا وأعوام وكل يوم يمضي في هذه الحالة يكلّف المجتمع خسائر إضافية ويزيد من تفاقم الأزمة. 

هذه الخسارات ناتجة عن أزمات متزامنة طالت المنظومة الاقتصادية والمالية اللبنانية. وهي ناتجة عن سوء إدارة المال العام وتراكم خسائر الدولة اللبنانية، وعن فجوة في حسابات مصرف لبنان تم إخفاؤها لسنوات وهي بحجم لا مثيل له في العالم. فقد راكم مصرف لبنان خسارات تفوق قيمتها ٤٠ مليار دولار أي بنسبة أكثر من ١٠٠% من حجم الناتج المحلي، وذلك من دون أي مسعى جدي للمراقبة والمساءلة والمحاسبة من قبل وزراء المالية والحكومات ومجالس النواب المتعاقبة.


الخروج من الأزمة يتطلب بناء الثقة من خلال تحديد واضح للمسؤوليات، ولاسيما من خلال إجراء تدقيق محاسبي لمصرف لبنان والمالية العامة، وتغيير بنية السلطة والنهج السياسي القائم

أحدثت هذه المسودة صدمة لدى اللبنانيين واللبنانيات. وهم لا زالوا يتصارعون مع فكرة فقدان أموالهم ومصادر الرزق ولقمة العيش. لذلك فالثقة مفقودة والغضب لا يقبحه إلّا أزمة فيروس الكورونا وضرورة التزام المنازل حفاظا على الأرواح. ومن أجل إعادة بناء الثقة وتقبّل المجتمع للتضحية من أجل استعادة دولة الحقوق والمؤسسات، لا بد من تحديد شروط عقد اجتماعي جديد، مبنيّة على أسس متينة. 


فهذا التشخيص لحجم الخسارات التي لم تنتج عن عوامل خارجية بل "صنعت في لبنان" كما ذكر في المسودة، لا يمكن أن يؤدي الى خطة إنقاذ ناجحة من دون أن ينطلق من توصيف دقيق لآليات انتقال الثروات الى المستفيدين من المنظومة السياسية-الاقتصادية-المالية التي أودت بالمجتمع اللبناني الى هذه الكارثة. وهو يتطلّب بالتالي تحديد واضح للمسؤوليات بدءا من إجراء تدقيق محاسبي لمصرف لبنان والمالية العامة، وبناءً عليه اتخاذ خطوات جذرية للمحاسبة. 


بعد مرور ما يقارب ثلاثة أشهر على تشكيلها، ننتظر اليوم من الحكومة اتخاذ خطوات أكثر جرأة وصرامة، تظهر عن قدرة فعلية على الإمساك بزمام الأمور وتحرير المنظومة السياسية-الاقتصادية-المالية من النهج القديم في ممارسة السلطة، بشكل يعيد الثقة بالدولة وبمؤسساتها.


ندعو الحكومة الى الاستمرار في تطوير خطة إنقاذ تنطلق من هذه المسودة ويكون هدفها الأسمى إرساء مقوّمات الدولة المدنية القوية والعادلة


تدعو مجموعة “كلنا إرادة" الحكومة الى المضي قدما في تطوير خطة الإنقاذ هذه وإقرارها بأٍسرع وقت، انطلاقا من التشخيص والتوجهات العامة للمسودة. وقبل الانتقال الى مناقشة تفاصيل مشروع الإنقاذ المالي المقترح، ولنا بخصوصه ملاحظات عديدة نفصّلها في مرحلة لاحقة، يهمنا أولا الاتفاق على المبادئ الأساسية التي يجب أن تبنى عليها هذه الخطة.


  1. توجيه الخطة نحو رؤية شاملة للنهوض بالمجتمع اللبناني وبناء دولة المؤسسات القوية التي تعمل في خدمة المواطن، ضمن إطار عقد اجتماعي جديد قوامه العدالة الاجتماعية والحقوق والواجبات المتبادلة بين الدولة والمواطن. وهذا يتطلّب قرارا سياسيا حاسما يحمل هذه الرؤية ويدعمها بالإصلاحات اللازمة بحيث يتم طوي صفحة النظام الطائفي المبني على الزبائنية والمحاصصة وبناء دولة مدنية أساسها سيادة القانون. ويبدأ ذلك بتطبيق المادة ٩٥ من الدستور ولاسيما لجهة اعتماد الاختصاص والكفاءة كمعيار في الوظائف العامة وعدم تخصيص أية وظيفة لأية طائفة، وبالعمل من أجل وضع قانون استقلالية القضاء وشفافيته كأولوية تشريعية والإسراع في إقراره.
  2. وضع حماية الحقوق الأساسية للمواطن كأولوية للخطة، ولاسيما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المكفولة بالدستور والمعاهدات الدولية بما فيها حق كل شخص بالضمان الاجتماعي والحق في الصحة والتعليم والتمتع بمستوى معيشي لائق. وهذا يتطلّب النهوض بمؤسسات الدولة واستعادة قدرتها على تأمين الخدمات والحاجات الأساسية للمواطن.
  3. إن الإنقاذ الكامل (full bailout) للقطاع المصرفي، ولاسيما عبر بيع أصول الدولة المخصص للتعويض على المودعين، ليس خيارا مقبولا ولا عادلا أو حتى ممكنا نظرا لحجم الخسائر. ويقتضي بالوقت نفسه أن تحرص أي خطة إنقاذ على حماية حقوق صغار المودعين وعلى المدخرات الاجتماعية لمختلف المهن الحرة وللصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. فكما ذكر في المسودة، لا يمكن لأي حكومة تحمّل مسؤولية وضع عبء الخسارات الماضية على الأجيال المقبلة. لذلك من المرفوض بيع أصول الدولة وتحميل جميع المكلّفين عبء الخسائر المصرفية، علما أن أكثر من نصف الشعب اللبناني لا يملك أي حساب مصرفي وأغلبية النصف الثاني هي من المودعين الصغار، بينما الحسابات المصرفية بقيمة أكثر من مليون دولار لا يفوق عددها ال25 ألف حساب. 
  4. إن الموارد المحلية أضحت غير كافية منذ ما قبل آذار ٢٠٢٠، مما يؤكّد الحاجة الى التمويل الخارجي من أجل إنجاح أي مشروع إنقاذي. إلّا أن الدعم الخارجي، وكما أشارت اليه المسودة، لن يتوفر من أجل التعويض عن خسائر انهيار مالي ناتج عن سوء الإدارة المحلية وليس عن عوامل خارجية. فقد تخلّت مختلف الدول حول العالم منذ أزمة اليونان عن فكرة دعم نظام مالي فاشل بأموال المكّلفين.  
  5. لا يمكن إعادة النهوض بالاقتصاد اللبناني من دون قطاع مصرفي سليم. إن حجم الخسائر يستدعي عملية إعادة هيكلة للقطاع المصرفي لا مهرب منها. ويبدأ ذلك بإجراء تقييم شامل لوضعية مصرف لبنان المالية وتحديد التدابير الآيلة الى معالجة الفجوات في العملات الأجنبية المتراكمة في حساباته. ومن ثم معالجة الوضعية السلبية للمصارف  تتضمن عمليات دمج وإعادة رسملة بشكل يقلّص حجم القطاع ويعيد له الثقة والملاءة والاستدامة، استنادا الى نموذج يخدم حاجات الاقتصاد المنتج. ويتطلب ذلك إصلاحا للإطار القانوني المتعلق بتنظيم القطاع المالي والرقابة عليه (مصرف لبنان وأجهزة الرقابة). كما يتطلب تطوير استراتيجية كاملة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، وتعديل الإطار القانوني المتعلق بتوقّف المصارف عن الدفع ليأخذ بالاعتبار حجم إعادة الهيكلة وبعض جوانبها التقنية.  
  6. يشترط من أجل إصلاح المالية العامة احترام الأصول الدستورية ورفع السرية المصرفية المطلقة وإصلاح الإدارة العامة والنظام الضريبي، وترشيد الإنفاق ومحاربة الفساد والهدر ضمن رؤية استراتيجية للنهوض بالقطاع العام وتحقيق العدالة الاجتماعية. 

أزمة لبنان

في حين يواجه لبنان اسوأ أزمة اقتصادية ونقدية ومالية ومصرفية واجتماعية، تسعى منظمة "كلنا إرادة" إلى تعزيز التطور السريع لخطة إنقاذ على أساس مبادئ العدالة الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية.

إنضم إلى قائمتنا البريدية