الإقرار الرسمي بحجم الخسائر هو خطوة أولى نحو الخروج من الأزمة
خلاص لبنان الاقتصادي مشروط بصياغة عقد اجتماعي جديد وتحرير المنظومة السياسية-الاقتصادية من منطق الزعامات
لا يجوز تعويض الخسائر على حساب المكلّفين: لا لبيع أصول الدولة
تشكّل مسودة المشروع الإصلاحي للحكومة أول إقرار رسمي بحجم الخسارات في النظام المالي اللبناني، وهذه هي الخطوة الأولى التي طال انتظارها نحو معالجة الأزمة. ويترتّب عن هذا الإقرار مسؤوليات ونتائج سياسية لا بد من التوقف عندها. فقد بات واضحا أن لا مجال للخروج من هذه الأزمة التاريخية من دون إحداث تغيير بنيوي في النظام السياسي الذي أودى بنا الى هذه الكارثة.
الخطوة الأولى هي الإقرار بحجم الخسائر ومصارحة اللبنانيين
يبلغ حجم الخسارات أرقاما قياسية بمختلف مؤشراته، ويشكّل سابقة تاريخية ليس فقط في لبنان ولكن في العالم. وهذا ما كنا نحذر منه ويحذر منه عدد كبير من المراجع الاقتصادية منذ سنوات، وأتت السلطة التنفيذية اليوم لتؤكّد عليه رسميا. فالحقيقة مريرة ولكن من حق الشعب اللبناني أن يعرفها وأن يتم مصارحته بها بشفافية ووضوح. لقد دامت حالة الإنكار شهورا وأعوام وكل يوم يمضي في هذه الحالة يكلّف المجتمع خسائر إضافية ويزيد من تفاقم الأزمة.
هذه الخسارات ناتجة عن أزمات متزامنة طالت المنظومة الاقتصادية والمالية اللبنانية. وهي ناتجة عن سوء إدارة المال العام وتراكم خسائر الدولة اللبنانية، وعن فجوة في حسابات مصرف لبنان تم إخفاؤها لسنوات وهي بحجم لا مثيل له في العالم. فقد راكم مصرف لبنان خسارات تفوق قيمتها ٤٠ مليار دولار أي بنسبة أكثر من ١٠٠% من حجم الناتج المحلي، وذلك من دون أي مسعى جدي للمراقبة والمساءلة والمحاسبة من قبل وزراء المالية والحكومات ومجالس النواب المتعاقبة.
الخروج من الأزمة يتطلب بناء الثقة من خلال تحديد واضح للمسؤوليات، ولاسيما من خلال إجراء تدقيق محاسبي لمصرف لبنان والمالية العامة، وتغيير بنية السلطة والنهج السياسي القائم
أحدثت هذه المسودة صدمة لدى اللبنانيين واللبنانيات. وهم لا زالوا يتصارعون مع فكرة فقدان أموالهم ومصادر الرزق ولقمة العيش. لذلك فالثقة مفقودة والغضب لا يقبحه إلّا أزمة فيروس الكورونا وضرورة التزام المنازل حفاظا على الأرواح. ومن أجل إعادة بناء الثقة وتقبّل المجتمع للتضحية من أجل استعادة دولة الحقوق والمؤسسات، لا بد من تحديد شروط عقد اجتماعي جديد، مبنيّة على أسس متينة.
فهذا التشخيص لحجم الخسارات التي لم تنتج عن عوامل خارجية بل "صنعت في لبنان" كما ذكر في المسودة، لا يمكن أن يؤدي الى خطة إنقاذ ناجحة من دون أن ينطلق من توصيف دقيق لآليات انتقال الثروات الى المستفيدين من المنظومة السياسية-الاقتصادية-المالية التي أودت بالمجتمع اللبناني الى هذه الكارثة. وهو يتطلّب بالتالي تحديد واضح للمسؤوليات بدءا من إجراء تدقيق محاسبي لمصرف لبنان والمالية العامة، وبناءً عليه اتخاذ خطوات جذرية للمحاسبة.
بعد مرور ما يقارب ثلاثة أشهر على تشكيلها، ننتظر اليوم من الحكومة اتخاذ خطوات أكثر جرأة وصرامة، تظهر عن قدرة فعلية على الإمساك بزمام الأمور وتحرير المنظومة السياسية-الاقتصادية-المالية من النهج القديم في ممارسة السلطة، بشكل يعيد الثقة بالدولة وبمؤسساتها.
ندعو الحكومة الى الاستمرار في تطوير خطة إنقاذ تنطلق من هذه المسودة ويكون هدفها الأسمى إرساء مقوّمات الدولة المدنية القوية والعادلة
تدعو مجموعة “كلنا إرادة" الحكومة الى المضي قدما في تطوير خطة الإنقاذ هذه وإقرارها بأٍسرع وقت، انطلاقا من التشخيص والتوجهات العامة للمسودة. وقبل الانتقال الى مناقشة تفاصيل مشروع الإنقاذ المالي المقترح، ولنا بخصوصه ملاحظات عديدة نفصّلها في مرحلة لاحقة، يهمنا أولا الاتفاق على المبادئ الأساسية التي يجب أن تبنى عليها هذه الخطة.