كلمة مجموعة "كلنا إرادة" خلال ندوة نادي قضاة لبنان بعنوان "استقلالية السلطة القضائية: تحديات وحلول"
يهمني بداية أن اتوقف عند أهمية هذه الندوة ورمزيتها.
أتكلم باسم مجموعة كلنا إرادة من أجل التأكيد على دعمها المطلق لهذه المبادرة، في وقت نقف فيه جميعا أمام مفترق طرق بالنسبة للشعب اللبناني وبالنسبة لمشروع بناء الدولة في لبنان، دولة القانون والمؤسسات، التي تعمل من أجل صالح أبنائها، من أجل الصالح العام، وتضمن الشفافية والمحاسبة.
مفترق الطرق
الأزمة الاقتصادية والمالية المتفاقمة والتي كادت أن تبلغ ذروتها، والقروض المالية التي وعدت بها الجهات الدولية خلال مؤتمر سيدر. هذان العاملان معا يشكلان مفترق طرق. والدعم الدولي المشروط بالإصلاحات يشكل فرصة من فرصتين:
"نتحدث من منظار "كلنا إرادة:
شاركت مجموعة كلنا إرادة بمؤتمر سيدر وأبدت شكوكها وقلقها حول الرغبة في مراكمة الديون لتمويل البنية التحتية، حتى ولو بشروط ميسرة، وحول مدى جدية التخطيط والتحليل الاستراتيجي الذي على أساسه تم اختيار المشاريع المدرجة في البرنامج الإستثماري لسيدر. وأدلينا بضرورة إعادة صياغة العقد الإجتماعي بين الدولة ومواطنيها، عقد يستند إلى مبادئ المساءلة والشفافية والفاعلية والكفاءة. اما اليوم، فيبقى أملنا أن تصبح آلية “سيدر” منصّة ومحفّز لهكذا توجّه، وان تكون فرصة بناء الدولة هي الغالبة.
واليوم تخوفنا هو ان تصبح الجهات الدولية المقرضة هي الحكم الذي يقرر ما اذا كانت الإجراءات المعتمدة تفي بشروط التمويل، ان تكون هي التي تقرر ما اذا كانت الإصلاحات حقيقية وكافية من جهة الحوكمة الجيدة ومكافحة الفساد والإصلاح القضائي وغيره. المجتمع الدولي أصبح هو من يسائل ويحاسب. لاء. الحكم الحقيقي وصاحب الحق بالمساءلة والمحاسبة والمشاركة بالقرار هو الشعب اللبناني، هو كل مواطن ومواطنة، هو كل لبناني مكلف بدفع الضريبة. نحن الحكم ونحنا أصحاب الحق. والحكم الأكبر هو السلطة القضائية التي تصدر أحكامها باسم الشعب اللبناني. باسم الشعب اللبناني وليس باسم الفريق السياسي هذا او ذاك.
دور القضاء المستقل في بناء الدولة
وهنا نصل الى دور القضاء المستقل في بناء دولة المؤسسات.
لسنا هنا اليوم فقط لنطالب بحقوق القضاة، على أهميتها. نحن هنا لكي ندعم مبادرة يتخذها القضاة في غياب أي بادرة جدية من السلطات السياسية من أجل مكافحة الفساد وإرساء دولة القانون والمؤسسات. ونعتبر أن أي عمل إصلاحي جدي بهدف مكافحة الفساد وإرساء دولة القانون والمؤسسات في لبنان يمر أولا بتعزيز استقلال القضاء وشفافيته. ولذلك اختارت كلنا إرادة أن تدعم اقتراح قانون استقلال القضاء العدلي وشفافيته الذي قدمته المفكرة ووقع عليه ٩ نواب من مختلف الكتل.
نظمنا ندوة في كانون الثاني حضرها نواب ممثلين عن مختلف الكتل عبروا جميعا عن دعمهم للقانون. وهذا النص اليوم امام لجنة الإدارة والعدل ووعدنا رئيس ونائب رئيس اللجنة ان يتم الشروع بمناقشته كأولوية ولا زلنا ننتظر. لا بل أتتنا ملاحظة انه لا يجوز ادراج هكذا اصلاح تحت عنوان تحقيق اهداف "سيدر". فاستقلال القضاء أولوية وطنية. والملاحظة في محلها.
وإذ بنا نجد الحكومة ومجلس النواب لا يخطوان خطوة الا تحت عنوان "سيدر"، لا بل يتذرعان بالعجلة والضرورة الناتجة عن الازمة المالية و"سيدر" من أجل إقرار قوانين وإجراءات عاجلة واستثنائية تشكل مساسا فادحا بمبدأ الاستقرار القانوني والتشريعي (بينما اليوم أكثر من أي وقت مضى، وعلى عكس ما يروّج له، نحن بحاجة الى ان يتم احترام القانون وتنفيذه بحذافيره ودون أي مواربة أو استثناء ولاسيما احترام الأصول والقواعد الدستورية والقانونية والإجرائية كافة. فهي التي تضمن الحقوق وتحمي المؤسسات.)
كما نرى أن سياسة الحكومة في هذه الموازنة تذهب في اتجاه آخر، متخذة تدابير من شأنها المساس بحقوق القضاة واضعاف السلطة القضائية عوضا عن تقويتها ، خارجا عن أي سياسة واضحة وشاملة تنخرط ضمن رؤية لتعزيز استقلال السلطة القضائية ، وفي غياب دراسات جدية حول الآثار المالية لهذه التدابير وتضمينها في الأسباب الموجبة.
فبغياب رؤية اقتصادية واصلاحية شاملة للدولة ومؤسساتها وسياسة مالية عادلة تنخرط ضمن هذه الرؤية، تبقى هذه التدابير رمزية (على الخزينة) وخطورتها تحديدا في رمزيتها كما في وقعها السلبي على حياة القاضي النزيه وقدرته على البقاء في مركزه بكرامة .
ليس بالاستقواء على القضاة نحافظ على هيبة الدولة. بل بالاستماع اليهم وبتعزيز حقوقهم، صونا لاستقلاليتهم.
خاتمة:
المطلوب: اصلاحات بالعمق وليس فقط إصلاحات شكلية موجهة الى عيون الجهات الدولية. وهذه الاصلاحات تبدأ بتعزيز استقلالية السلطة القضائية. فالمعركة اليوم هي معركة استرجاع كرامة القضاء. وكرامة المواطن. يعني كرامة الدولة ومؤسساتها (من المدرسة الرسمية الى الجامعة اللبنانية والإدارة العامة والجيش والقوى الامنية). القانون والحقوق والمؤسسات لا يصونها الا القاضي المستقل والقاضية المستقلة.
ضروري اليوم ان تقبل السلطة السياسية بالامتناع عن التدخل في القضاء وأن تقرّ بأن نقطة البداية هي كف يد السلطة التنفيذية ويد الأحزاب عن القضاء. فالمطلوب، ونكرره، سلطة قضائية تنطق باسم الشعب اللبناني وليس باسم الفريق السياسي هذا او ذاك، وهذه ليست أمنية تتحقق بضربة ساحر. هذا هدف يتطلب: قانون يضع آليات تضمن الاستقلالية والكفاءة والشفافية والمحاسبة في القضاء، وضمان حقوق القضاة التي من شأنها تحقيق المساواة التامة فيما بينهم، عملا بالمعايير الدولية. ولأن التجربة اثبتت انه في غياب الضمانات المالية نخسر اهم قضاتنا. والخسارة هذه علينا جميعا.