في الأسابيع القليلة الماضية، تراجعت قيمة الليرة اللبنانية بشكل كبير في السوق الفعلية. وفي غضون يومين فقط، شهد سعر الصرف تراجعاً بنسبة ٢٥% ليصل إلى معدلات تتراوح بين ٥،٠٠٠ ليرة لبنانية و٦،٠٠٠ ليرة لبنانية للدولار الأمريكي الواحد. ووسط موجة غضب اجتاحت البلاد، وعدت السلطات النقدية والمسؤولون الحكوميون وقوات الأمن بخفض سعر الصرف إلى ما دون الـ٤ آلاف ليرة لبنانية في الأيام القليلة القادمة وذلك عن طريق ضخ الدولارات في السوق والرفع من صرامة الاجراءات الأمنية المتخذة بحق مكاتب الصيرفة غير الملتزمة والتداولات في السوق السوداء.
والحقيقة أنّ المقاربة المقترحة من قبل الحكومة، كما كانت الحال بالنسبة إلى كافة التدابير المتخذة حتى الآن، هي سياسة آنية تسعى إلى كسب الوقت للتخفيف من حدة الغضب العام مؤقتاً وتمديد تمسك النظام بالسلطة.
ولكنّ الضغط الأمني على السوق السوداء وتبديد الدولارات الاحتياطية القليلة المتبقية لن يفضيا إلى استقرار سعر صرف الليرة كما أنّ الافتقار إلى توجيه اقتصادي سليم لن يؤدي إلا إلى تفاعل الآثار الكارثية للأزمة وإلى تفاقم الأثر على المواطنين العاديين، مع استمرار تدهور قيمة العملة وعدم القدرة على تمويل استيراد المواد الأساسية.
للشعب كلّ الحق في أن يغضب فالهدف الوحيد من التدابير المقترحة هو كسب الوقت على حساب انهيار النسيج الاجتماعي مزيداً.
تأتي أزمة العملة هذه على خلفية انهيار اقتصادي أوسع بكثير كان له عواقب وخيمة على المواطنين، الذين ما انفكوا يخسرون وظائفهم ومدخراتهم وقدرتهم الشرائية والأمل في لبنان يوماً بعد يوم. وعلى الرغم من تزايد الإحباط الاجتماعي والاقتصادي والانهيار الاقتصادي الوشيك، واصلت السلطة نهجها السياسي المعتاد في الحكم: فقد أجرت التعيينات المالية على أساس المحاصصة، ولا يزال البرلمان يعطّل التشريعات الإصلاحية الرئيسية، ولم تبدأ الحكومة بعد في تنفيذ تدابير لإثبات جديتها ومصداقيتها.
والمطلوب هو استعادة الثقة في النظام اللبناني، وتأمين التدفقات الأجنبية، وإدارة احتياطيات العملات الأجنبية القليلة المتبقية بشكل استراتيجي. وقد أصبح من الواضح أنّ السلطة ببنيتها الحالية غير قادرة على تحقيق هذه الرؤية، ناهيك التصرف على أساسها.
ولا شكّ في أنّ الاجراءات التي اتخذتها الحكومة يوم الجمعة كارثية لأسباب متعددة:
من دون خطة طوارئ ترتكز إلى سياسة نقدية ومالية سليمة، فأنّ الأيام القادمة أسوأ من التي مضت.
يرجع انخفاض قيمة العملة إلى عوامل عدة: انعدام الثقة الذي تآكل باستمرار من قبل المسؤولين في السلطة، وعدم التوازن بين العرض والطلب بسبب سنوات من السياسات المالية والنقدية الكارثية التي أسفرت عن خسائر مالية غير مسبوقة تعادل أكثر من ضعف حجم الاقتصاد. ما لم يتم اتخاذ خطوات جذرية على الفور، فإنّ لبنان يواجه خطر انفجار مطرد للوضع: انهيار شديد لسعر الصرف، وتضخم متسارع، وانهيار اقتصادي أعمق بكثير مما هو متوقع حالياً.
والمطلوب هو وضع خطة طوارئ تضع قائمةً شاملةً بتدابير قصيرة الأجل ترمي إلى ضبط أزمة العملة، التي دخلت مرحلةً جديدةً وشديدة الخطورة. كذلك، لا بد من تنفيذ خطة إنقاذ تقوم على النفاذ الكامل إلى جميع الحسابات العامة والتعاون الفعّال بين كافة مؤسسات الدولة.
ولا مفر من الانتقال السياسي نحو دولة مدنية تقوم على سيادة القانون، وتدعمها سلطة قضائية مستقلة: فنظام السلطة الحالي قد خذل الشعب اللبناني.