موقف من مشروع قانون تقييد حركة رأس المال، مع الملاحظات التي قدّمها نائب رئيس مجلس النواب، والذي تمت مناقشته في اللجان النيابيّة المُشتركة

٣٠ آب ٢٠٢٢

يهدّد مشروع قانون تقييد حركة رأس المال المُقترح السياسات والإصلاحات الضروريّة لإنهاء الأزمة.

  • الهدف من إقرار أي قانون لتقييد حركة رأس المال هو عادة وضع قيود مؤقتّة للحدّ من العجز في ميزان المدفوعات على المدى القصير، بما يسمح بوضع سياسات تعالج هذه المشكلة بطريقة هيكليّة وجذريّة، من خلال تحديد أوجه استخدام ما تبقى، وما قد يأتي من عملات أجنبيّة، إلّا أن مشروع القانون المطروح، بما فيه التعديلات التي اقترحها نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب لا تلبّي الأهداف المعياريّة لقانون مماثل.
  • ينطوي مشروع القانون المُقترح على خطر تحوّله إلى رديف عن الإصلاحات الضروريّة والمطلوبة، وأهمّها إعادة هيكلة الدَّيْن ووضعه على مسار الاستدامة، وتوحيد أسعار الصرف، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي مما سوف يهدد أي امكانية لابرام اتفاق مع صندوق النقد ويعيق إمكانيّة النهوض.


لا تأخّذ الاقتراحات التي قدّمها الياس بو صعب بالاعتبار الاعتراضات الرئيسية الموجودة ضدّ مشروع القانون، لا بل تتجاهلها كلّياً وتكرّس العورات المضمّنة فيه.

  • ينصّ مشروع القانون على إنشاء لجنة يُعهد إليها بتطبيق أحكامه، إلّا أنّ اقتراحات بو صعب تغيّر تكوينها لتضمّ المجلس المركزي لمصرف لبنان وخبيرين، على أنّ يترأسها حاكم مصرف لبنان، فيما تُمنح صلاحيّات مُطلقة لتحديد سقوف السحب والتحويلات، وهو ما يكرّس الاستنسابيّة المعمول بها راهناً والمفصولة عن أي رؤية استراتيجية.
  • تفصل المسوّدة بين الدولارات القديمة والجديدة وتعفي الأخيرة من الضوابط بحجّة استمرار هذه التدفّقات النقديّة، في حين يفترض بقانون تقييد حركة رأس المال أن يعتمد الوضوح نهجاً.
  • تدعم المسوّدة المقترحة منصّة "صيرفة" على الرغم من عدم وجود آليّات شفّافة تحكم عملها وطريقة تسعير الدولار عبرها، وذلك من خلال فرض إلزاميّة إجراء التعاملات النقديّة من خلالها، ومنع التعاملات المالية في سوق القطع الحرّة لمن هم بحاجة لشراء أو بيع دولارات، وهو ما يعمّق تحوّل الاقتصاد نحو التعاملات النقديّة مع استمرار تعدّدية أسعار الصرف. عدا أن الصياغة الحالية تفتقر للوضوح فيما يتعلّق بفرض عواقب قانونيّة على تبديل الدولارات في السوق الحرّة.
  • يكرّس المشروع المُقترح التمييز بين الحسابات المصرفيّة وبذلك يحافظ على التفاوتات الطبقيّة عملياً يحرّر تحويلات التعليم والاستشفاء في الخارج، في مقابل تجاهل حسابات الصناديق التعاضديّة والتقاعديّة، ويحمي النظام الاقتصادي المنهار من خلال قوننة فتح اعتمادات لاستيراد سلع يبقى للجنة الاستنسابية في تحدديها  في مقابل تجاهل حسابات الشركات والمؤسّسات الإنتاجيّة.
  • تقترح المسوّدة إعادة النظر بسقف السحوبات الشهريّة الذي حُدِّد بما لا يتجاوز ألف دولار من حسابات الأموال القديمة، وأي سعر يفترض اعتماده لصرفها. مع الإشارة إلى أن المسوّدة الأساسيّة تعطي للجنة صلاحيّة خفض قيمة السحب إلى مستوى غير محدّد. وهو ما يكرّس في الحالتين حتميّة عدم إعلان إفلاس المصارف والاستمرار بتصفية الخسائر بطرق تعسفيّة.
  • يتضمّن مشروع القانون مفعولاً رجعياً يُسقط الدعاوى المرفوعة أو التي قد ترفع ضدّ المصارف أو حتّى الدعاوى التي صدرت فيها أحكام ابتدائية قابلة للاستئناف والتمييز. قد يُفهم هذا الإجراء في سياق قانون لإعادة هيكلة المصارف، في حين أنّ غيابه يجعل من هذا الإجراء خطراً على المودعين بدلاً من حمايتهم.
  • تحافظ الصيغة المطروحة على مصارف بوضعيّة الزومبي، أي التي تستمرّ بفعل الدعم السياسي فيما تعجز عن أداء أبسط وظائفها وهي تمويل الاقتصاد.


على الرغم من اقتراب نفاد احتياطيات العملات الأجنبيّة، يبقى إقرار قانون تقييد حركة رأس المال مُلحّاً، شرط ربطه بخطّة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي والنهوض بالاقتصاد. 

  • كان ينبغي اعتماد قانون ضوابط رأس المال مباشرة بعدما أغلقت المصارف أبوابها - الذي يُعدُّ مؤشّراً على إفلاسها - إثر اندلاع انتفاضة 17 تشرين الأوّل 2019، لتجنّب هروب رؤوس الأموال ونضوب احتياطيّات العملات الأجنبيّة المُفترض استخدامها في أي خطّة للنهوض.
  • أدّى الفشل في تبنّي قانون مُماثل إلى تبديد أكثر من 20 مليار دولار من الاحتياطيّات منذ تشرين الأوّل 2019 وحتّى الآن. هُدِرت هذه الأموال على (1) التدخّلات التي قادها مصرف لبنان لضبط سعر الصرف والمُنفصلة عن أي خطّة اقتصاديّة، بما أدّى إلى تغذية المضاربة على سعر الصرف وشراء الوقت من أجل اللاشيء، (2) الاستمرار بسياسات الدعم العشوائيّة وغير المُجدية التي أفادت المستوردين من دون أنّ تتمكّن من حماية القدرة الشرائيّة للناس، و(3) تهريب الأموال من القطاع المصرفي بطرق استنسابيّة لصالح أشخاص مُرتبطين سياسياً، ما زاد الخسائر التي يتحمّلها باقي المودعين، ومجمل اللبنانيين بشكل عام.
  • على الرغم من قرب نفاد احتياطيّات العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي، يستمرّ مسار تقليص العجز في ميزان المدفوعات، أو بمعنى آخر تقليص الحاجة إلى العملات الأجنبيّة، بأكثر الأساليب إجحافاً اجتماعياً، وأبرزها انهيار العملة المحلّية لتخفيف الاستيراد وبالتالي نزيف الدولارات. مع ذلك ما زالت فجوة تراوح بين 3 و6 مليارات دولار، وهي نسبة كبيرة جداً بالمقارنة مع حجم الاقتصاد  (13,6% إلى 27% من الناتج المحلّي). فيما المخرج الوحيد هو وضع قانون لتقييد حركة رأس المال ربطاً بخطّة لإعادة هيكلة المصارف وتغيير أسُس النموذج الاقتصادي.


تحذير للنواب من إقرار قانون يكرّس السياسات غير العادلة ويقضي على إمكانية النهوض

  • تحذّر "كلنا إرادة" النواب من تشريع قانون غير مربوط بخطّة شاملة تُخرِج لبنان من أخطر أزمة اقتصاديّة واجتماعيّة في تاريخه، ويكرّس بدلاً من ذلك الخيارات السياسيّة المُتخذة منذ انفجار الأزمة، والتي فرضت تعديلات عنيفة وإجراميّة بحق المجتمع اللبناني، بدلاً من توزيع الخسائر بطريقة عادلة اجتماعياً وتسمح بالنهوض بالاقتصاد.
  • الأولويّة هي لإقرار قانون تسوية الأوضاع المصرفيّة وإعادة هيكلتها، وفق مقاربة متكاملة تتعامل مع مشاكل القطاع المصرفي بعدالة وشفافيّة، والذي تندرج ضمن اختصاصه تحديد آليّات البتّ بالمعاملات التفضيليّة بين المودعين، بدلاً من تضمينها بقانون تقييد حركة رأس المال، الذي يمنح المولجين بتطبيقه سلطة الاستنساب في إيصال بعض المودعين إلى ودائعهم ومنع آخرين من ذلك، ويخلق تمييزاً بين فئات المودعين.

تحميل الملف

أزمة لبنان

في حين يواجه لبنان أسوأ أزمة اقتصادية ونقدية ومالية ومصرفية واجتماعية، تسعى منظمة "كلنا إرادة" إلى تعزيز التطور السريع لخطة إنقاذ على أساس مبادئ العدالة الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية.

إنضم إلى قائمتنا البريدية