نعيش اليوم أزمة مالية واقتصادية واجتماعية أتت نتيجة تراجع هيبة القانون والقضاء في لبنان بشكل أصبح تجاوز حد السلطة من قبل السياسيين هو القاعدة التي لا رادع لها. وهذه الأزمة أصبحت بدرجة من الخطورة لا تحتمل التباطؤ في الحلول بل تتطلب الإصلاحات الفورية والجذرية على جميع الأصعدة ولاسيما على الصعيد القضائي من أجل الخروج منها سالمين وبناء دولة القانون والعيش الكريم.
في هذا السياق، نتابع مع اللبنانيين واللبنانيات بكثير من الاهتمام تطورات ملف التشكيلات القضائية. فهذه التشكيلات هي الخطوة الأولى التي، إذا أتت ناجحة ومتكاملة، بإمكانها أن تخلق جو مؤات من الكفاءة والاستقلالية والشفافية والمحاسبة تعيد بناء الثقة بقضاء يقف الى جانب المواطنين والمواطنات في معركة استعادة مؤسسات الدولة والحقوق المدنية والاجتماعية، وتبني جو مؤات للإصلاحات والاستثمارات الضرورية من اجل إعادة النهوض بالبلاد.
ونرحب بالملاحظات الخطية التي قدمتها وزيرة العدل الى مجلس القضاء الأعلى حول مشروع التشكيلات القضائية، لاسيما في ما يتعلق بتطبيق المعايير الموضوعية بالنسبة للنيابات العامة ودوائر التحقيق ووضع حد لتخصيص مراكز قضائية لبعض الطوائف والمذاهب بما يعطل تطبيق المعايير الموضوعية للكفاءة والنزاهة. ونجد في هذه الملاحظات ضمانة كبيرة لمجلس القضاء تمكّنه من الذهاب الى أقصى حدود الاستقلالية في التعيينات واستكمال جهوده في هذا الاتجاه حتى النهاية، وهي بالتالي فرصة تاريخية للنهوض بالسلطة القضائية ولإرساء معايير الكفاءة والاستقلالية بعيدا عن هيمنة الزعامات الطائفية والمناطقية على القضاء.
وإذ نتطلع الى صدور قرار التشكيلات النهائية عن مجلس القضاء الأعلى، آملين أن تكون هذه التشكيلات على مستوى التطلعات والتحديات، نذكّر بضرورة الإسراع في إقرار قانون استقلال القضاء وشفافيته الذي أعدته المفكرة القانونية من أجل توفير الضمانات والمعايير اللازمة للاستقلالية والكفاءة والمحاسبة والشفافية في القضاء اللبناني، ومن ضمنها تعديل طريقة تشكيل مجلس القضاء الأعلى بما يضمن استقلاليته وتمثيله لمختلف فئات القضاة ودرجاتهم وتعزيز ضمانات أداء القضاة واستقلالهم وتعزيز الشفافية والمعايير الموضوعية في وضع مشروع التشكيلات. وندعو كل من مجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل والحكومة ومجلس النواب الى تحمّل مسؤولياتهم في هذا الإطار.