شكلت تظاهرة ١٤ آذار أحد أهم الأحداث التي شهدها لبنان في التاريخ الحديث، والتي توجت نضالات الشعب اللبناني من أجل الحرية والسيادة والاستقلال وادت الى انسحاب قوات النظام السوري من لبنان بعد ٢٩ عامًا من الاحتلال في ٢٦ نيسان ٢٠٠٥. بالإضافة إلى ذلك، فإن مظاهرة ١٤ آذار ٢٠٠٥ كانت حدثًا هامًا في تاريخ الثورات العربية الحديثة، حيث أظهرت القدرة على التصدي للأنظمة الاستبدادية البوليسية وفرض التغيير السياسي الديمقراطي من خلال التحركات الشعبية السلمية.
في مثل هذا اليوم قبل ١٨ عاماً، التقى في بيروت لبنانيون ولبنانيات في لحظة تحول تأسيسية في تاريخ الوطن، حيث اجتمع الشعب اللبناني وللمرة الاولى في ساحة واحدة متجاوزاً كل الانقسامات المناطقية والطائفية والحزبية، مؤكدين على وحدتهم مع احترام تعدديتهم واختلافاتهم.
هذه اللحظة التي كانت قد سبقتها محطة أساسية في استعادة الاستقلال وهي تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، تلتها ١٧ تشرين ٢٠١٩ التي شكلت مفصلا رئيسيًا مع نزول الشعب اللبناني الى الساحات مجدداً، وحملت تحولات كبيرة باتجاه تثبيت التلازم بين استعادة الدولة والتغيير السياسي والمسألة الاقتصادية-الاجتماعية.
لا يمكننا اليوم الا التأسف على عدم رغبة القوى التي هيمنت على الإرادة الجماعية المتجلية في ساحة ١٤ اذار في المضي قدما في التغيير التي انطلق يومها، فذهبت سريعا نحو التسويات الفوقية التي أجهضت إمكانية التغيير وأعادت تثبيت القوى الحليفة للنظام السوري لا سيما حزب الله وحركة أمل. كما لعبت الاغتيالات السياسية التي تعرض لها فريق ١٤ آذار حصراً دورا في ممارسة الضغط ورفض عملية التحول الديمقراطي التي فرضتها ١٤ آذار ومن ثم نتائج الانتخابات عبر تكريس فكرة حكومات الوحدة الوطنية وتعطيل تام للديمقراطية البرلمانية، قبل ان تأتي ٧ أيار ومن بعدها اتفاق الدوحة لتفرض التعطيل التام وتؤسس لكل ما نعيشه اليوم.
في ذكرى التجمع الشعبي الأكبر في تاريخ لبنان، وعلى الرغم من كل الأخطاء والخيبات تبقى لحظة ١٤ آذار يوماً مضيئا في التاريخ السياسي والاجتماعي للبنان، لحظة صنعها مئات الالاف من الناس رفضا للاغتيال السياسي والتصدي لثقافة الإفلات من العقاب.
في ١٤ آذار ٢٠٢٣ نتذكر ١٤ آذار ٢٠٠٥ كي يستمر النضال من أجل تطوير النظام السياسي، بناء نموذج اقتصادي- اجتماعي جديد، وتحقيق السيادة التامة داخليا وخارجيا، نتذكر ١٤ آذار ٢٠٠٥ كي نؤكد على الايمان والأمل بقدرة الشعب اللبناني على إزالة كل أشكال الاستبداد والاحتلالات.