اللجوء السوري في لبنان: سبل إدارة الأزمة وضمان حق العودة
١٥ حزيران ٢٠٢٣
واقع اللجوء السوري وتداعياته
يشكّل اللاجئون السوريون نحو 25% من عدد المقيمين في لبنان، وهذه النسبة هي الأكبر بين مختلف البلدان المُضيفة للاجئين.
هذه الأعداد الكبيرة التي دخلت إلى لبنان هرباً من الحرب السوريّة المستمرّة منذ 12 عاماً، ينتج عنها إشكاليّات على مختلف الصعد، فمن جهة يعيش اللاجئون في أوضاع إنسانيّة هشّة وصعبة فيما ترفض الدولة السوريّة عودتهم، ومن جهة ثانية تتزايد الأعباء الماديّة الناتجة عن وجودهم في ظلّ الأزمة الاقتصاديّة، ومنافستهم للبنانيين في سوق العمل، والضغط الإضافي على البنية التحتيّة المُهترئة بالأساس والقطاعات الخدماتيّة الضعيفة، فضلاً عن تردّي الوضع الأمني وتنامي النزعات العنصريّة وعدم قدرة الدولة اللبنانيّة على ضبط الوضع.
هذا الواقع هو أشبه بقنبلة موقوتة ويُنذِر بتفجّرات اجتماعيّة في ظل انسحاب الدولة اللبنانيّة من دورها في تنظيم هذه المسألة، وأمام تحدّيات العودة واستحالة استمرار الوضع الحالي، تبرز حاجة وطنيّة مُلحّة لمناقشة واقع اللجوء السوري.
سياسة اللاسياسة
- واظبت السلطات اللبنانيّة على اعتماد سياسة "اللا سياسة" إزاء مسألة اللاجئين السوريين، ولم تقدّم أيّة حلول واقعيّة للتصدّي للأزمة. في العام 2014، عبّرت عن موقفها الرافض لدمج اللاجئين وبناء المخيّمات في ورقة رسميّة، وهو ما انعكس بعدم تنظيم الوجود السوري وتركه مُتفلّتاً وخلق العديد من الإشكاليّات. أمّا في العام 2020، أكّدت السلطات على ضرورة العودة الآمنة في ورقة صادرة رسميّة لا تزال مُجرّد حبرٍ على ورق.
- انسحبت الدولة اللبنانيّة من مسؤوليّتها في تنظيم هذا الوجود وإدارته مُتحجّحة بشبح التوطين. ففي العام 2011، توقّفت عن تسجيل اللاجئين وحوّلت هذه المهمّة إلى مفوّضية الأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين، بحيث تخلّت عن تكوين قاعدة بيانات عن ديموغرافيا اللجوء، ممّا أضعف قدرتها على فهمها والاستجابة للأزمة على مختلف الصعد بما فيها تنظيم سوق العمل.
- لم تتبنَ الدولة اللبنانيّة أي مقاربة موحّدة لأزمة اللجوء ممّا حكم علاقتها مع المجتمع الدولي بالابتزاز من أجل الحصول على الدولارات عبر قنوات المساعدات، وإنّما من دون استخدام هذه المساعدات بطريقة مُستدامة تفيد اللبنانيين والسوريين في آنٍ معاً.
- اصطدمت إدارة الدولة اللبنانيّة لملف اللجوء بإشكاليّة التعامل مع النظام السوري المحكومة بالانقسامات السياسيّة الداخليّة والمواقف المُتعارضة. ففي حين بقي التنسيق على المستويين الأمني والسياسي قائماً بين الدولتين، وفيما أقرّت الدولة اللبنانيّة في "ورقة السياسة العامّة لعودة النازحين" لعام 2020 أنّ أحد أهم أركان نجاح العودة الآمنة للنازحين هو التعاون والتنسيق مع الدولة السوريّة بوصفها الجهة الوحيدة القادرة على تأمين الضمانات اللازمة، رفض البعض الآخر التطبيع مع النظام السوري فيما شكّل قانون قيصر وخطر التعرُّض للعقوبات معطى إضافياً لرفض هذا التعامل.
معوّقات العودة
من جهة النظام السوري:
يرفض النظام السوري عودة اللاجئين خوفاً من التفريط بالنتائج العسكريّة والميدانيّة التي حقّقها في مناطق النفوذ السنّي كنتيجة لإعادة اللاجئين ذات الغالبية السنِّية.
يحول الواقع الاجتماعي في سوريا دون عودة اللاجئين، خصوصاً أن معظم المناطق التي هربوا منها إمّا دُمِّرت بالكامل أو استحوذ عليها نازحون داخليون آخرون، أو صودِرت عقاراتهم وأراضيهم من قبل النظام السوري بموجب قوانين الاستملاك التي أصدرها.
يؤدّي خوف اللاجئين من ردّة فعل النظام حيالهم إلى عدم عودتهم إمّا لأن عدداً كبيراً منهم تهرّب من الخدمة العسكريّة الإلزاميّة أو بسبب مواقفهم المعارضة للنظام.
من جهة المجتمع الدولي:
- يُصرُّ المجتمع الدولي على حلّ سياسي للصراع في سوريا كشرطٍ لتقديم الدعم المالي لإطلاق عمليّة إعادة التأهيل وإعادة الإعمار، ممّا يضعف فعاليّة تدخُّلاته لحلّ الأزمة.
- إزاء هذا الواقع، تبرز عدم قدرة المجتمع الدولي على تقديم أي حلّ بديل عدا عن توفير المساعدات للاجئين في لبنان واعتماد سياسة تكريس الأمر الواقع.
مقاربة الحلول
على المستوى اللبناني – ضرورة تنظيم الوضع القانوني والاجتماعي للاجئين في لبنان:
- وضع آليّة لإحصاء اللاجئين تستند إلى الأرقام الحالية كقاعدة أساس وتطوّرها وتسمح للدولة اللبنانيّة بامتلاك قاعدة بيانات مُحدّثة، وهو ما يسمح بالتمييز بين الفئات المختلفة للسوريين المتواجدين في لبنان، ووضع الخطط لمعالجة الأزمة الحالية وتأمين المعلومات الضروريّة لتنظيم العودة .
- المباشرة بعمليّات التسجيل بمستوياتها الثلاثة: الإقامات والزيجات والولادات. وهو ما يسهِّل تسجيل الزيجات والولادات على الرغم من فقدان السوريين أوراقهم الثبوتيّة، وذلك تفادياً للخطر الذي قد ينتج عن حالات مكتومي القيد، خصوصاً أن نسبة تسجيل ولادات النازحين لم تتجاوز 36% في أواخر العام 2022. تجدر الإشارة أنه يمكن إتمام عمليّات التسجيل في فترة زمنيّة تراوح بين 12 و18 شهراً في حال تأمين الموارد الماليّة والبشريّة اللازمة.
- تنظيم سوق العمل والحرص على تطبيق القوانين المرعية الإجراء عبر مساواة السوريين بالأجانب، أي دفعهم الضرائب وحصولهم على إجازات عمل.
- ضبط الحدود والمعابر غير الشرعيّة وتوفير الدعم السياسي واللوجستي والتقني للأجهزة الأمنيّة لتحقيق هذا الهدف.
على المستوى الخارجي - ضرورة الوصول لاتفاق عربي ودولي يضمن عودة اللاجئين:
الاستفادة من الوضع السياسي الإقليمي الراهن والتفاهمات بين دول المنطقة للاستثمار في الديبلوماسيّة، ووضع خطّة لعودة اللاجئين تحت رعاية وتوافق دولي وعربي، على أن يشمل أي اتفاق مقاربة للمواضيع التالية:
- الدفع باتجاه حلول تسمح ببدء العودة الكريمة والمُستدامة إلى بعض المناطق بموازاة العمل على الحل السياسي الشامل، ومن ثمّ منطقة القلمون، على أن يترافق ذلك مع ضرورة العمل على انتزاع التزامٍ من الدول المانحة للمساهمة في جهود إعادة الإعمار بدءاً من تأهيل المناطق التي حُدِّدت لعودة اللاجئين.
- حثّ المجتمع الدولي على تحمّل مسؤوليّته في تقاسم أعباء هذه الأزمة عبر رفع معدّلات إعادة التوطين والاستمرار بالدعم المادي للبنان والمجتمعات المضيفة على وجه التحديد.
- الضغط على النظام السوري من اجل انتزاع التزامات جدّية تضمن إزالة كافة العوائق أمام العودة، لا سيّما عبر حلّ إشكاليّة التهرّب من الخدمة العسكريّة ووقف التعامل من الزاوية الأمنيّة، وضمان استعادة اللاجئين للأراضي التي هُجِّروا منها أو تمّت مصادرتها في غياب مالكيها.
تحميل الملف
أزمة اللجوء السوري
يشكّل اللاجئون السوريون أكثر من 25% من عدد المقيمين في لبنان، وهذه النسبة هي الأكبر بين مختلف البلدان المُضيفة للاجئين. في ظل انسحاب الدولة من دورها في تنظيم مسألة اللجوء وأمام تحدّيات العودة واستحالة استمرار الوضع الحالي، تطرح "كلنا إرادة" النقاط الأساسيّة لإدارة الأزمة.