بيان حول اغتيال لقمان سليم: ملاك القتل لا يزال هنا

٥ شباط ٢٠٢١

بكثير من الأسى والأسف، تلقّينا أمس خبر اغتيال الكاتب والمخرج والناشط السياسي لقمان محسن سليم. وفيما تمّ التركيز على مواقفه السياسية، ذكّرت قلّة بأعماله الهامّة على الصعيدين الحقوقي والثقافي. ومن أبرزها مشاركته في إخراج فيلم "المجزرة" (عن مجزرة صبرا وشاتيلا) و"وتدمر" (عن التعذيب في السجون السورية). ومنها أيضاً أبحاثه حول قضايا المفقودين والمخفيين قسراً واللاجئين ولكن أيضاً حول الأداء القضائي تسييساً وتمييعاً في الجرائم الكبرى الحاصلة في لبنان في العقود الثلاثة الأخيرة أو حول المحكمة العسكرية. وتشكّل مؤسّسة "أمم" للتوثيق والتي كان سليم أحد مؤسّسيها، حالياً إحدى أهم مؤسّسات التوثيق وإنتاج المعرفة في لبنان. 


يستدعي هذا الاغتيال التوقّف عند المعطيات الآتية:


أولاً، أنّه يأتي ضمن سلسلة من الاعتداءات ضدّ حرية العمل السياسي في لبنان

يأتي هذا الاغتيال بعد سلسلة من الاعتداءات العنيفة التي طالتْ بدرجات متفاوتة قوى معترضة ضدّ النظام القائم، وبخاصّة خلال "ثورة 17 تشرين" وبعدها. هدفت بعض هذه الاعتداءات إلى قمع التظاهر والاحتجاج السياسي، وقد بلغت أوجها في الاعتداء العنيف ضد مئات المتظاهرين في بيروت في 8 آب 2020 حداداً على مجزرة مرفأ بيروت، وفي مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل خلال الاحتجاجات في طرابلس (أحمد توفيق وفؤاد السمّان وآخرهم عمر طيبا). أما بعضها الآخر الذي لا يقلّ خطورة فقد استهدف أشخاصاً بعينهم تمّ الاعتداء عليهم بهدف ترهيبهم كما حصل مع الوجهين البارزين في الثورة الصحافي محمد زبيب والمحامي واصف الحركة أو تصفيتهم للتخلّص منهم وترهيب سائر مكوّنات المعارضة كما حصل مع الناشط علاء أبو فخر. وقد حصلت هذه الاعتداءات على امتداد الوطن من طرابلس إلى أقصى الجنوب، مروراً ببيروت والجبل، كما حصلت أحياناً بوجوه مكشوفة من دون أن تلقى أيّة محاسبة جدّية. ومن دون الجزم في ترابط المخطط وراء هذه الاعتداءات عملاً بقرينة البراءة، إلّا أنّ تكرارها وتصاعد وتيرتها إنما يؤكّدان أنّ الاشتغال بالسياسة أو التعبير عن آراء معارضة باتا يعرّضان بشكل متزايد أصحابها للقتل وهدر الدّم، مع ما يستتبع ذلك من تدمير لبقايا النظام الديمقراطي في لبنان. وهو خطر يُخشى أن يتزايد بقدر ما تفقد السلطة الحاكمة مشروعيّتها وقدرتها على الحكم، على نحو يدفعها إلى مزيد من العنف ترميماً لأسس حكمها. 


ثانياً: اعتداء وسط ارتياب مشروع بالهيئات القضائية

مع اغتيال لقمان، نكتشف مرة أخرى عجز النظام القضائي اللبناني عن تقديم أجوبة مقنعة للرأي العام حول هذه الاعتداءات العنيفة، بالنظر إلى الارتياب المشروع والمعمم به. وهذا الأمر يتأتّى من أعراف المحاصصة المعتمدة من القوى الحاكمة في ملء المراكز "الحسّاسة" أي الهامّة داخل القضاء، وفي مقدّمتها النيابات العامّة وقضاء التحقيق. ويؤشّر التدقيق في محاصصة هذه المراكز ليس إلى استتباع وتطييف القضاء فحسب، بل أيضاً إلى إصرار كلّ طرف سياسي على تعيين حصّته في مناطق نفوذه، ممّا يحوّلها من مراكز عدالة إلى مراكز نفوذ. 


وما يفاقم من هذا الارتياب هو ما يُنقل علناً عن ارتباط النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي رهيف رمضان الذي يمثّل الحق العام (أي المجتمع) في قضية اغتيال سليم، ويحصل التحقيق وجمع الأدلة تحت إشرافه، برئيس المجلس النيابي نبيه برّي. وللتذكير، سجّل أنصار هذا الأخير وشرطة المجلس العاملة تحت إشرافه في غير مناسبة في السنة الأخيرة اعتداءات وحشية على معارضيه، وهي اعتداءات امتدّت من عدلون في الجنوب إلى محيط المجلس النيابي ومحيط مجلس الجنوب مروراً بمحيط قصر عين التينة في بيروت، من دون أن يلقى أيٌّ منها أيّة محاسبة جدّية. فكيف يمكن لجهة قضائية مرتبطة عضوياً بطرف سياسي جاهرَ مراراً بالاعتداء على المعارضين السياسيين أن تتولّى هي التحقيق في اغتيال سليم؟ وما يزيد الارتياب مشروعيةً، ومن دون المسّ بقرينة البراءة واستباق التحقيق، هو أنّ الجريمة حصلت في منطقة تخضع لنفوذ حركة أمل وحزب الله الذي كان سليم من أبرز معارضيه. وهذا الارتياب إنّما يزيد من مشاعر القلق لدينا من أن يتم إزهاق الأدلّة وتضليل التحقيق أو تفريغه، وتالياً ضياع الحقيقة وهدر الدم. 


تكشف لنا كلّ هذه المخاوف مرّة أخرى خطورة الخيارات المعتمدة من السلطة الحاكمة في استتباع القضاء وقضم استقلاليته، وهي خيارات بدّدت الثقة في القضاء ومعها المرجعية القضائية في كشف الحقائق وأسهمت في توسيع دائرة الاتهامات السياسية غير المسندة إلى دلائل مع ما يحتمله هذا الأمر من استغلال وفتن؛ كما بدّدت بالنتيجة السيادة القضائية. وليس أكثر دلالة على ذلك من مسارعة الضحايا في أكثر من مناسبة للمطالبة بتحقيق دولي. فالسيادة القضائية ليست معطى حكميّاً إنّما هي تبنى من خلال إرساء مؤسّسات قضائية قوية ومستقلّة.


وعليه، وبعد أداء واجب التعزية لذوي لقمان سليم وأصدقائه، جئنا نعلن ونطلب الآتي: 

أوّلاً، رفض التطبيع مع العنف ضد المتظاهرين والمعارضين السياسيين العزّل، واعتباره عملاً جرمياً سافلاً، لا يمكن تبريره بأيّ صورة من الصور، ولا حتى بكرامة الزعيم أو حساسية أتباعه حيال أيّ مسّ بهذه الكرامة ولا الحفاظ على أيّ مشروع سياسي. وهنا ندعو جميع  القوى الديمقراطية إلى التآزر لمتابعة قضايا الاعتداءات في اتجاه تصعيد الضغوط لمحاسبة الفاعلين والجهات الآمرة بالعنف أو القتل. 


ثانياً، الإسراع في نقل قضية اغتيال سليم، وفق الأصول القانونية وضمن أقصر المهل، من محافظة الجنوب إلى العاصمة بيروت نظراً إلى الارتياب المشروع في المراكز القضائية الهامّة في الجنوب وتبعيّتها للقوى النافذة فيه، على أن يتمّ تكليف قاضي تحقيق محايد ومشهود بنزاهته في العاصمة لتولّي التحقيق في القضية. 


ثالثاً، إقالة جميع رؤساء النيابات العامّة ودوائر قضاة التحقيق في القضاءين العادي والعسكري ودعوة القضاة إلى الترّشح لهذه المراكز الهامّة، بهدف تعيين قضاة يتمتّعون بصفات المهنية والنزاهة والاستقلالية، تمهيداً لاستعادة ثقة الناس في المؤسّسات القضائية. 


رابعاً، الإسراع في إقرار قانون استقلال القضاء العدلي وشفافيته من دون المسّّ بضمانات الاستقلالية الواردة فيه تمهيداً لبناء السيادة القضائية، مع تحميل السلطة السياسية المسؤولية كاملة عن أيّ تأخير في هذا الخصوص. فبقدر ما تؤخّر هذه السّلطة إقرار قوانين استقلال القضاء، بقدر ما تعرّض الوطن برمّته لمزيد من المخاطر التي من شأنها للأسف توسيع "مناطق الموت" فيه. 


المنظمات الموقعة:

  1. المفكرة القانونية
  2. مركز الدفاع عن الحريات الاعلامية والثقافية "سكايز"
  3. كلنا إرادة
  4. روّاد الحقوق
  5. المركز اللبناني لحقوق الانسان
  6. منظمة ألف - تحرك من أجل حقوق الانسان
  7. منظمة تبادل الاعلام الاجتماعي - سمكس
  8. منظمة إعلام للسلام – ماب

تحميل الملف

إستقلال القضاء العدلي

في إطار عملها نحو تحقيق سيادة القانون والحوكمة الرشيدة في لبنان، عملت "كلنا إرادة" بالشراكة مع المفكرة القانونية على إطلاق مبادرة استقلالية القضاء وشفافيته. يهدف اقتراح القانون حول استقلال القضاء العدلي والشفافية إلى ضمان وتعزيز المحاكم المستقلة والمؤسسات القضائية في لبنان.

إنضم إلى قائمتنا البريدية