عقب الانفجار المروّع الذي شهده مرفأ بيروت في 4 آب/أغسطس 2020، أنشأ المجتمع الدولي "إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار (3RF)" بهدف مساندة اللبنانيّين. وقد بادر البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية وممثّلي المجتمع المدني، إلى صياغة إطار عملٍ نوعيّ يلحظ مشاركةً واسعةً لمنظّمات المجتمع المدني في سياق التخطيط والتنفيذ ومراقبة الإجراءات ذات الصلة . من الناحية الاستراتيجيّة، يستند الإطار المذكور إلى سلسلة إصلاحاتٍ جذريّة تساهم في تحقيق التعافي المستدام وتهيئة الظروف المواتية للحصول على أكبر قدرٍ من التمويل.
في هذا السياق، انعقد الاجتماع الثاني للمجموعة الاستشارية لإطار "3RF" في 27 تموز/يوليو 2021، بعد أربعة أشهرٍ من الاجتماع الأول، برئاسة مشتركة بين الحكومة اللبنانية وممثّلي المجتمع المدني اللبناني والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي والأمم المتحدة. كما حضر أعضاء " هيئة الإشراف المستقلة"، بصفة مراقب.
فقد انعقد الاجتماع بعد مرور عامٍ على الانفجار، وسط غموضٍ تامّ حول أسباب الفاجعة والمسؤولين عنها، لا بل، وللأسف، وسط مساعٍ متواصلة بذلها المجلس النيابي وكبار المسؤولين اللبنانيّين بهدف عرقلة التحقيق المحلي، ما أعاق بدوره إحراز أيّ تقدّمٍ ملموسٍ في هذه القضية.
جاء الاجتماع كنتيجة طبيعيّة لشلل الطبقة السياسية وعجزها، حيث أنّه ولغاية تاريخه، لم يتمّ تشكيل أيّ حكومة جديدة، في حين تخلّت حكومة تصريف الأعمال، كما يبدو، عن صلاحيّاتها لجهة تحقيق إصلاحاتٍ مجدية وملحّة، تساهم في تخفيف وطأة المعاناة الاجتماعية والاقتصادية التي يقاسيها اللبنانيّون.
من جهةٍ أخرى، تبدي " هيئة الإشراف المستقلة" خشيتها من التقدّم الضئيل الذي تمّ تحقيقه على مستوى المشاريع المموّلة من الصندوق الائتماني المخصّص للبنان (LFF)، وذلك جرّاء المماطلة في الإجراءات الإدارية والتعاون المحدود الذي أبدته الحكومة اللبنانيّة. كما أنّ امتناع وزارة المالية عن التوقيع على إقرار عدم ممانعة، عرقل على مدى خمسة أشهر متتالية، إمكانيّة تحويل 7 ملايين دولار أميركي من البنك الدولي إلى "كفالات"، الشركة المكلّفة إطلاق مشروعٍ حيويّ بقيمة 25 مليون دولار أميركي، يهدف إلى دعم الشركات المتعثّرة. وتواصل الحكومة منهجها هذا، حيث تتسبّب حاليًّا بعرقلة تحويل الأموال المخصّصة للنهوض بالبيئة (نحو 10 ملايين دولار أميركي)، والتي ستتأخّر لأشهرٍ عديدة، وذلك جراء تقاعسها عن اختيار موقعٍ مناسبٍ للتخلّص من النفايات، كما عن إنشاء لجنة تنسيق خاصّة بهذا الشأن.
على مستوى الإصلاحات الإلزامية، تأسف " هيئة الإشراف المستقلة" لتخلّف الحكومة اللبنانية عن المضي بها، لا سيّما لجهة التدابير الملحّة المعنيّة مباشرةً بأنظمة الحماية الاجتماعية. وهي تشمل الإصلاحات المالية، بحيث يتمّ تخصيص حصّة كافية من الموازنة العامّة للإنفاق على الحماية الاجتماعية، ضمان الاستدامة المالية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الموافقة على استراتيجيّة وطنية للحماية الاجتماعية، تطوير استراتيجيّة مفصّلة لإعادة الإعمار وإعداد خطّة استراتيجيّة لبرنامج دعم الأسعار. ففي حين أقرّ المجلس النيابي مؤخرًا قانونًا حديثًا للشراء العام، فشل في فرض التصريح العلني عن ملكيّة المنفعة المطلقة للمقاولين الثانويّين المحتملين. وفي سياقٍ متّصل، تدين " هيئة الإشراف المستقلة" إحجام البرلمان اللبناني عن سنّ قانونٍ موثوقٍ يتمتّع بالمصداقيّة، فيما يتعلّق باستقلاليّة القضاء. أضف إلى أهميّة صياغة إطار عملٍ هادفٍ يحقّق النهوض المالي، إلى جانب قانون ضبط رأس المال (كابيتال كونترول) للحدّ من التوزيع غير العادل للخسائر الممنهجة، والتي تتحمّلها اليوم الفئات الأكثر ضعفًا.
تشدّد " هيئة الإشراف المستقلة" على ضرورة انخراط المجتمع المدني بشكلٍ أكبر ضمن "إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار (3RF)"، كما تدعو إلى إشراك منظمات المجتمع المدني في آلية إنفاق مخصّصات "حقوق السحب الخاصّة للبنان (SDR)" المنوي الحصول عليها. ومن هذا المنطلق، تبرز أهميّة إنفاق تلك المخصّصات وفق معايير مدروسة وشفّافة، بالتوازي مع آلية تسمح للمجتمع المدني بتقييم ومراقبة عمليّة استخدام هذه الأموال.
وإذ تؤكّد "هيئة الإشراف المستقلة" التزامها رقابة ومراجعة مستقلّة للتأكّد من حسن سير آليات الإطار "3RF"، تناشد حشد مزيدٍ من التأييد السياسي، نيابةً عن الحكومة اللبنانية، وذلك لتفعيل الإطار وتنفيذ الإصلاحات الحيويّة، ما من شأنه أن يطلق العنان لمسار الدعم المنشود من قبل المجتمع اللبناني بأكمله.