في حين رفضت اللجان النيابيّة المعنيّة مطلع هذا الأسبوع، اقتراح القانون المعجّل المكرّر الرامي إلى وضع ضوابط استثنائية ومؤقتة على التحويلات المصرفية، تُعرب "كلّنا إرادة" مجدّدًا، عن قلقها العميق بشأن مشروع القانون قيد التداول، مؤكّدةً أهميّة إصدار قانون "كابيتال كونترول" عادل وفعّال، في أقرب وقتٍ ممكن.
- تمّ طرح مشروع القانون المذكور، باعتباره قانونًا للـ"كابيتال كونترول"، في حين أنّه حقيقةً لا يلبّي التطلّعات الأساسية من هذا التشريع، لجهة تنظيم حركة تدفق العملات الأجنبية بين الاقتصاد اللبناني والخارج . وهو يخدم، عوضًا عن ذلك ثلاثة أهداف، من شأنها، إذا طُبّقت، أن تقوّض أيّ إمكانية لإعادة هيكلة عادلة ومجدية للقطاع المالي.
- يمنح مشروع القانون هذا، مهلةً إضافيّة للمصارف للمماطلة في إطلاق إطار عملٍ، نحن بأمسّ الحاجة إليه، لإعادة هيكلة القطاع المصرفي ، وذلك من خلال إلزام المواطنين تحويل ودائعهم المسجّلة بالدولار الأميركي إلى الليرة اللبنانيّة (Lirafication). لقد حذّرنا مرارًا وتكرارًا من اعتماد هذه السياسة كأداةٍ لحلّ خسائر القطاع المالي، بالتوازي مع تحميل المودعين عبء توزيع الخسائر، وبالتالي تجنّب المساس بأسهم المصارف. لهذه السياسة تأثير انعكاسيّ سلبيّ ، حيث أنّ أفراد الطبقة الوسطى والفقراء في لبنان، سيتحمّلون، بشكلٍ غير متكافئ، وزر هذا التعديل المالي، وذلك من خلال تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية وزيادة معدّلات التضخم.
- وهو إذ يتجاهل الانتهاكات السابقة، لا يتوقّف عند حدود إعفاء المصارف من التزاماتها الائتمانية تجاه المودعين فحسب، بل يُبرئ أيضًا أولئك الذين استخدموا موقعهم أو نفوذهم لتحويل أموالهم إلى الخارج. فمنذ تشرين الأول/أكتوبر2019 ، تخلّفت المصارف عن الوفاء بالتزاماتها بالعملة الأجنبية تجاه المودعين، بينما سمحت لبعض المودعين بسحب أموالهم كاملةً على حساب دائنين آخرين. يُعدّ هذا الإجراء غير قانونيّ، لا سيّما في حال تدخّل أشخاص، نافذين سياسيًّا لإلزام المصارف بتطبيقه. تكرّس المادة 8 من مشروع القانون المذكور مسألة الإفلات من العقاب. وهي تهدف أيضًا إلى حماية أصول القطاع المصرفي، في حين أنّ الدعاوى القضائية في الخارج، يمكن أن تنصف كبار المودعين (أولئك الذين لديهم الموارد لرفع دعاوى قضائية في أوروبا أو الولايات المتحدة الأميركية) على حساب الآخرين. تأتي الدعاوى القضائية نتيجة رفض السلطات الاعتراف رسميًّا بتخلّف المصارف عن الوفاء بالتزاماتها. كان من شأن هذا الاعتراف أن يؤدّي، على الفور، إلى تجميدٍ قانونيّ حتميّ، بانتظار صدور قانون مصرفي يقوم على مبدأ الإنصاف في الإيفاء بالالتزامات. رغم ذلك، ووسط تناقضٍ مع كلّ أحكام الإفلاس الدولية، سمح هذا الرفض للمصارف، بالتصرّف في الأصول وفق أساسٍ تقديريّ. بات من الملحّ اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، حماية الأصول المصرفية بشكلٍ قانوني لصالح أصغر المودعين، ولكن أيضًا لصالح اللبنانيّين عامةً الذين هم بحاجة أكثر إلى إعادة هيكلة عادلة للقطاع المالي. ومع ذلك، يجب أن تكون هذه الحماية جزءًا لا يتجزّأ من إطار إعادة هيكلة القطاع المصرفي.
- ينصّ مشروع القانون على استثناءاتٍ يمعن في اتّخاذها المسؤولون عن الأزمة الراهنة أنفسهم. مع العِلم أنّ أيّ قانون "كابيتال كونترول" يفرض قيودًا وضوابط على التحويلات المصرفية، يُلحق باستثناءاتٍ. ومع ذلك، فمن الضروريّ تحديد إطار الاستثناءات وآلية تنفيذها بشكلٍ واضحٍ في القانون، وذلك بناءً على رؤية استراتيجيّة تتّسم بالشفافيّة، وتهدف إلى الحفاظ على القدرة التنافسية للاقتصاد والأهداف المحدّدة على المستوى الاجتماعي. يقتصر مشروع القانون المذكور على طرح إطار عملٍ غير مكتملٍ، كما أنّه يمنح مصرف لبنان سلطةً وصلاحيّاتٍ، لجهة الاستثناءات، من دون أيّ ضمانة، على الإطلاق، تساهم في الحدّ من تداعيات الفساد وتدخّل الجهات النافذة.
- كان من المفترض اعتماد قانون "كابيتال كونترول" اعتبارًا من تشرين الأول/أكتوبر 2019 عندما اتُّخذ قرار إغلاق المصارف، كدلالةٍ على تعثّرها، إن لم يكن قبل ذلك بكثير. ففي ظلّ غياب هذا القانون وما يمثّله من شرطٍ أساسيّ للاستفادة من برنامج صندوق النقد الدولي، انخفض حجم السيولة في العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي، بنحو 10مليار دولار أميركي، منذ تشرين الأول/أكتوبر2019، بينما كانت هذه الاحتياطيّات ذات أهمية استراتيجيّة لإدارة الأزمة اللبنانية غير المسبوقة.
- إنّ مشروع القانون المقترح لا يحدّ من تفاوت سعر صرف الدولار، بل يزيد من مخاطر تهريب رؤوس الأموال، ويفاقم من حالة التدهور في سعر صرف الليرة اللبنانية ومن ارتفاع معدّلات التضخم. ففي ظلّ غياب خطّة شاملة لإطار عملٍ متكاملٍ، يطرح مشروع القانون علامات استفهامٍ حول كيفيّة ملاءمة أحكامه لاستراتيجيّةٍ شاملة تساهم في معالجة الخلل المالي والحدّ من تعثّر الاقتصاد الكلي. على عكس ذلك، تتلاقى "كلّنا إرادة" مع موقف صندوق النقد الدولي - والذي لم تفصح عنه الحكومة اللبنانية - في التحذير من عواقب هذا القانون، وانعكاساته على التضخم وسعر الصرف، وكذلك على الاقتصاد الكلّي والاستقرار المالي.
نجدّد كذلك، تأكيد الحاجة الملحّة لقانون "الكابيتال كونترول" بعد أن ينال موافقة "صندوق النقد الدولي" التقنية الرسمية المسبقة، كما الحاجة الملحّة لإطار عملٍ يتيح إعادة هيكلة
المصارف، بما يعالج أزمة الخسائر في القطاع المالي وينهض بالقطاع المصرفيّ.