قانون السرية المصرفية بصيغته النهائية لا يضمن عدم استخدام هذا القانون لتغطية عدد من الجرائم والجنح

٥ آب ٢٠٢٢   |   الاقتصاد والمالية العامة   |   أزمة لبنان   |   بيان صحفي صورة "كلنا إرادة"

في جلسته الأولى في ولايته الجديدة في 26 تموز 2022، أقر مجلس النواب مشروع القانون المرسل من الحكومة لتعديل بعض مواد القانون المتعلق بالسرية المصرفية وقانون أصول المحاكمات الجزائية وقانون النقد والتسليف، كأحد الشروط الإصلاحية المطلوبة.


فعلى الرغم من إيجابية صدور قانون يحد من السرية المصرفية المطلقة التي سادت لعقود طويلة في لبنان، والذي لم يكن ليحصل لولا الضغوط الكبيرة التي مورست على السلطة السياسية، الا النص بصيغته النهائية لا يضمن عدم استخدام هذا القانون لتغطية عدد من الجرائم والجنح.


التعديلات التي ادخلها مجلس النواب على القانون تثبت عدم اكتراث السلطة في التعامل مع الأزمة على الرغم من اشتدادها. فلقد حاول نواب أحزاب السلطة تفريغ التعديلات من معظم مفاعيلها، بما يبقي عمليا السرّية المصرفية بصفتها القاعدة لا العكس، ويسمح بالتستّر على الجرائم المالية المرتكبة، وتحايلاً على صندوق النقد الدولي للحصول على شهادة حسن سلوك بالتوازي مع زيادة الضغوط الدولية.


وفي استمرار للممارسة غير الديمقراطية المعتمدة في البرلمان اللبناني منذ عقود، فقد صوت النواب على عدد من التعديلات على مشروع القانون، لكن المفاجأة كانت في اسقاط هذه التعديلات وعدم وجودها في النص النهائي ما يؤشر الى انه جرت ازالتها في الكواليس السوداء الخفية للمجلس.


لقد عطّل القانون صلاحية رفع السريّة التي كان يفترض إعطاؤها إلى لجنة الرقابة على المصارف، عبر ربطها بهيئة التحقيق الخاصّة لدى مصرف لبنان، وهو ما يعدّ تضليلاً خصوصاً أن هذه الهيئة، وبالتجربة، تقاعست دائماً عن رفع السرّية في قضايا مهمّة. تعطيل صلاحية لجنة الرقابة هو عملياً إعاقة لمسار إعادة هيكلة المصارف وتحديد حجم الخسائر.


فعلى الرغم من ان القانون قد قدم على انه يرفع من عدد الجهات التي يمكنها رفع السرية المصرفية، الا ان الواقع يثبت انها في الواقع لا تزال هذه الصلاحية بيد هيئة التحقيق الخاصة المستقلة التي تخضع لسلطة حاكم المصرف المركزي. كما وعمل على تقليص فعالية العقوبات المُقترحة لردع المتخلّفين عن تطبيقه، وتحديداً المصارف في حال امتناعها عن تأمين المعلومات المطلوبة، وهو ما يجعل العقوبة غير متناسبة مع خطورة الجرم، ويحدّ من فعالية القانون. 


كما وان الغموض لا زال يكتنف مسألة الأثر الرجعي للقانون لا سيما وأنّ النص، وإن أكد على تطبيق القانون فور نشره في الجريدة الرسمية، الا ان ذلك لم يُستَتبَع بأي توضيح آخر سواء لجهة تعارضه مع قوانين أخرى او لجهة تطبيقه بأثر رجعي ام لا، الأمر الذي يتيح الاطلاع على المعلومات المصرفية السابقة لتاريخ إقراره. هذا الغموض يعيق المحاسبة في ظل غياب إمكانية الكشف عن الجرائم ووقائعها، ويهدد بالتالي اعتماد معايير عادلة في عملية إعادة هيكلة المصارف.


كل ذلك يؤشر بشكل جليّ الى ان القانون قد أرسى واقعاً قانونيا معقداً بهدف الحفاظ على مبدأ السرية المصرفية قدر الإمكان بدلاً من تكريس رفعها بشكل تام، الأمر الذي كان سيشكل إصلاحًا حقيقيًا وضمانة للتغيير في الممارسة السياسية والمالية التي حكمت البلد. 


في هذا الصدد، تضم كلنا إرادة صوتها للمطالبين بتفسير مواد القانون بما يفتح المجال نحو تطبيقه بأثر رجعي بما يضمن الوصول الى الحقيقة في قضايا كثيرة وتاليا الحؤول دون تحقيق عفو عام مالي مقنع لكل الجرائم والجنح المالية المرتكبة قبل صدور هذا القانون.


ان إصلاح نظام السرية المصرفية، لا بل إلغاؤه بالكامل، هو شرط ضروري للانخراط في نهج تجديدي في إدارة الماليّة العامّة وإعادة هيكلتها، عدا أنه أساسي لإعادة هيكلة المصارف وتحديد حجم الخسائر، ومن أولويات صندوق النقد للتوصّل إلى اتفاق على برنامج معه، الا أنّ ما جرى يظهر ان هذا القانون قد أتى ليسحب الكلمة الفصل في موضوع السرّية المصرفية من الوفد الحكومي المفاوض مع صندوق النقد، ويعيد حصرها بيد أركان النظام السياسي والمالي اللبناني.

أزمة لبنان

في حين يواجه لبنان أسوأ أزمة اقتصادية ونقدية ومالية ومصرفية واجتماعية، تسعى منظمة "كلنا إرادة" إلى تعزيز التطور السريع لخطة إنقاذ على أساس مبادئ العدالة الاجتماعية والكفاءة الاقتصادية.

إنضم إلى قائمتنا البريدية